رحل الملك عبدالله… فمن يحكم السعودية؟ وهل تتحوّل جنازته للمصالحات؟

كتبت صحيفة “البناء” تقول : فجأة الساعة الواحدة فجر اليوم ألغت مجموعة “أم بي سي” الإعلامية المملوكة من الأسرة الحاكمة في المملكة العربية السعودية، كلّ برامجها على قنواتها كافة وبدأت ببث القرآن الكريم، بعدما كانت وسائل التواصل الاجتماعي قد امتلأت بالأنباء عن وفاة الملك السعودي، لتنتشر على صفحة “تويتر” تغريدات متعدّدة لأمراء من العائلة المالكة بينها تعزية، بالملك عبدالله، وأبرز المغرّدين كان الأمير فيصل بن تركي والأمير عبد العزيز بن فهد.

في الواحدة والربع فجراً صدر النعي الرسمي ليقطع الشك باليقين داعياً لبيعة سريعة مساء اليوم لكلّ من الملك سلمان بن عبد العزيز وولي العهد مقرن بن عبد العزيز، ليزيد الجدل والتساؤل حول أسباب السرعة في البيعة، من جهة، وربما التأخر في الإعلان عن الوفاة إلى حين اكتمال توزيع أنصبة الحكم في الأسرة، من جهة أخرى، بعد ورود معلومات عن وفاة عمرها أيام عدة، للملك، جرى التكتم عليها إلى حين حلحلة تفاصيل توزيع الميراث السياسي والأمني والديبلوماسي سيظهر تباعاً بين أمراء الجيلين الثاني والثالث، يتوقع أن يحمل تعزيزاً لدور ومسؤوليات ولي العهد الأمير مقرن بن عبد العزيز رئيس جهاز الاستخبارات السابق.

وفاة الملك عبد الله بن عبد العزيز، تفتح في المملكة أبواب التكهّنات حول مستقبل العرش، الذي تتنازعه مجموعة من الصراعات بين أمراء الجيل الثاني، وتتنازعه الخيارات حول مستقبل دور المملكة في ظلّ المتغيّرات التي تعصف بالمنطقة، خصوصاً أنّ سياسات الملك الراحل في سنواته الأخيرة تسبّبت بضياع زعامة المملكة في المنطقة، وأخذتها إلى مكان آخر، وتبدو السعودية أمام تحديات كبار، من اليمن إلى البحرين إلى مستقبل العلاقة بالجار القوي إيران، وبالشقيق المتعب مصر والشقيق المظلوم والواقف على قدميه على رغم التآمر عليه، سورية، والسؤال الراهن هو، هل تتحوّل الجنازة إلى فرصة لمصالحات ولقاءات، فتعود ديبلوماسية الجنازات إلى المنطقة التي خرّبتها السعودية لترمّم في ممات الملك بعضاً مما تخرّب فيها في حياته؟

تبدو المنطقة في حالة من انعدام الوزن، كريشة في مهبّ الريح، أو قطعة معدنية في نقطة انعدام الجاذبية، لا مرجعية لضبط التوازنات، ولا لتغليب لغة العقل والحفاظ على عناصر الاستقرار، والعودة إلى مربع السياسة، وبالتالي البحث بلغة المصالح والحسابات العاقلة لموازين القوة والخيارات.

من البحر الأبيض المتوسط إلى البحر الأحمر وصولاً إلى الخليج نسبياً، حالة من الفوضى العامة، هشاشة بنى الدول المركزية، والحرب التي أطلقها التحالف الدولي بقيادة أميركا على الإرهاب تراوح مكانها، بينما الدول الثلاث المحورية في السياسة الأميركية في المنطقة، تركيا و”إسرائيل” والسعودية، تتقاسم مهمة تعميم الفوضى ورعاية الإرهاب، فالإخوان المسلمون الذين تدعمهم تركيا وتموّلهم قطر يتولّون التخريب في مصر على رغم الرفض السعودي، الذي يصبح فجأة رعاية وتمويلاً من السعودية للإخوان في اليمن وسورية بالتشارك والتنسيق مع تركيا و”إسرائيل”، و”القاعدة” التي تدعمها بمُسمّى “النصرة” “إسرائيل” وقطر تحظى بالتمويل السعودي في سورية، وبمُسمّى “داعش” تحتضنها تركيا علناً وتموّلها قطر.

الحصيلة تتكشّف كلّ يوم عن مسار انحداري جديد للأمن والسياسة، وخصوصاً من الجنوب إلى الجنوب، من جنوب لبنان وجنوب سورية، إلى جنوب المنطقة في اليمن، حيث الأدوار السعودية و”الإسرائيلية”، تتوزع المسؤولية عن إفلات حبل الأمن على الغارب بتسليم زمام المبادرة إلى التنظيمات الإرهابية، من سورية ولبنان عبر “النصرة” برعاية “إسرائيلية”، إلى اليمن عبر “القاعدة” والإخوان المسلمين برعاية سعودية، في سورية والعراق شمالاً برعاية تركية.

يجري تفريغ السياسة من كلّ مقوّمات فرص النجاح، فتفتح النار على مبادرة موسكو للحوار السوري ـ السوري، وتدفع القوى التي تتلقى تعليماتها من الرياض وأنقرة والدوحة لعرقلة مسار الحوار والسعي إلى إفشاله، وفي العراق تنصح القوى الراغبة بالمشاركة في الحكم من عشائر الأنبار بالبقاء خارجاً، وفي لبنان يجري خطف رئاسة الجمهورية بترشيح قائد “القوات اللبنانية” ومنع مواصلة الحوار الجدي والمجدي بين تيار المستقبل والعماد ميشال عون المرشح الأبرز لرئاسة الجمهورية، وفي اليمن حيث يوقّع الرئيس منصور هادي على التفاهم مع الحوثيين، لوضع اتفاق الشراكة موضع التنفيذ وتعديل مسودة الدستور بما يتناسب معه، يتعرّض لضغط سعودي يجبره على الاستقالة مع رئيس وزرائه ليلحق اليمن بلبنان، ويصبح في حال الفراغ الدستوري.

واشنطن المعني الرئيسي بأداء حلفائها ترتبك، فلا تلبّي تطلعاتهم للتصعيد، ولا تمسك على أيديهم منعاً للمزيد منه، وتتوّج “إسرائيل” العبث الهستيري الذي يعيشه حلفاء واشنطن بعملية القنيطرة، بما يفتح المنطقة على الخيارات والاحتمالات الأشدّ خطورة، والواضح صلة ما يفعله حلفاء واشنطن بمحاولة يائسة لثنيها عن المضيّ قدماً بالتفاهم مع إيران.

فعلى رغم الألم الذي أصاب المقاومة باستشهاد كوكبة من أبرز مجاهديها في العدوان “الإسرائيلي” على القنيطرة، استمدت المقاومة من دم الشهداء زخماً وقوة ليس في لبنان فحسب بل على امتداد الساحة العربية وفي مقدمها الساحة الفلسطينية. وقد عكست هذا التطور مواقف قادة حركة حماس في فلسطين المحتلة الذين أبرقوا إلى الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله معزين بالشهداء، مشددين على توحيد بندقية المقاومة وتقاطع نيرانها في المعركة المقبلة مع “عدو الأمة”.

وأشار رئيس حركة حماس في غزة ونائب رئيس المكتب السياسي للحركة إسماعيل هنية في رسالته إلى السيّد نصرالله، إلى “أن ديدن العدو هو الإرهاب والقتل، ظناً منه أنه باغتيال القادة يكسر إرادة الأمة ومقاومتها لكن هذه السياسة فاشلة”، مؤكداً أن يد المقاومة في لبنان ستبقى هي العليا رغم هذا الألم”.

وفي برقية مماثلة إلى السيد نصرالله أكد القائد العام لكتائب الشهيد عز الدين القسام الجناح العسكري لحماس محمد الضيف، أن “عدو الأمة الحقيقي هو العدو الصهيوني ويجب أن توجه كل البنادق نحوه”، مشدداً “على ضرورة وقف استنزاف طاقات الأمة ورهن إراداتها”، داعياً إلى “اتحاد كل قوى المقاومة الرافضة للاسترقاق للمشروع الصهيوني في مشروع واحد مقابل مشروع الاستسلام للعدو الصهيوني”. وأضاف أن “قوى المقاومة يجب أن تدير معركتها المقبلة موحدة، تتقاطع فيها النيران فوق الأرض المحتلة”.

وفي مناخ هذه المواقف، والالتفاف اللبناني الرسمي والشعبي حول المقاومة يطل السيد نصرالله، بحسب أوساط حزب الله، يوم الجمعة في الثلاثين من الشهر الجاري في الاحتفال التأبيني الجماهيري الذي سيُقام لشهداء العدوان الستة. وأكدت مصادر مطلعة لـ”البناء” أن “كلمة السيد نصر الله ستكون بمثابة تحديد أكثر وضوحاً لاتجاهات المرحلة المقبلة في سياق الصراع بين المشروع الإسرائيلي والمشروع المقاوم، وهو ما كان تحدث عنه سابقاً”.

من جهة أخرى، أصدرت العلاقات الإعلامية في حزب الله بياناً ردت فيه على ما ورد في مقال وزعته وكالة “رويترز”، وينسب فيه إلى “مصدر مقرب من “حزب الله” مواقف وتعليقات حول الموضوع الراهن في المنطقة”، وأعادت العلاقات الإعلامية التذكير “بالسياسة الإعلامية الثابتة المتبعة من الحزب، والتي تقوم على عدم استخدام صيغة المصادر لإعلان المواقف أو التعليق على الأحداث. وبالتالي، فإنّ ما نشر في المقال المذكور لا يعنينا إطلاقاً”.

في غضون ذلك، دان مجلس الوزراء في جلسته أمس الاعتداء “الإسرائيلي” في القنيطرة، منتقداً في الوقت نفسه الاعتداء على الجيش وواصفاً إياه بأنه خرق للقرار 1701، مشدداً على “أن صدّ أيّ اعتداء “إسرائيلي” يتحقق بوحدة وتضامن اللبنانيين”.
وأكد وزير الشؤون الاجتماعية رشيد درباس لـ”البناء” أنّ ما صرّح به وزراء حزب الله في شأن العدوان على القنيطرة ممتاز ومنطقي”، مشيراً إلى “إجماع وزاري على إدانة هذا العدوان”.

وعلمت “البناء” أنّ رئيس الحكومة تمام سلام طرح في الجلسة موضوع البحرين، وتوجه إلى وزراء حزب الله بالقول: “لماذا التهجم على البحرين”؟ لافتاً إلى “أنّ ذلك قد يكون مبرّراً لإلحاق الضرر بمصالح اللبنانيين في البحرين ودول الخليج”. وشدد على “أن أي تصريح يصدر عن جهة سياسية لا يعبّر إلا عن الجهة التي تدلي به”.
خدمات التكفيريين لـ”إسرائيل”

وفي ظلّ الانهماك اللبناني بتداعيات العدوان “الإسرائيلي”، واصلت الجماعات التكفيرية تقديم خدماتها للعدو الصهيوني من خلال نشر السيارات المفخخة قرب مراكز الجيش في عرسال. فقد فكك الجيش أمس سيارة بعدما اشتبهت بها دورية من الاستخبارات بالقرب من حاجز عين الشعب الفاصل بين عرسال واللبوة. وتبيّن أنها مفخخة بخمسة وعشرين كيلوغراماً من المواد المتفجرة. وأفادت المعلومات “أنّ المواد المتفجرة وُزّعت على أبوابها، ووصلت بقنبلة يدوية، وأنّ الهدف كان استهداف حاجز أمني”.
ومساء أحبط الجيش محاولات تسلل لمجموعات مسلحة بين موقعي وادي حميد والحصن وحقق إصابات مباشرة في صفوف المسلحين. وعلم أنه سقط قتيلان من المسلحين.

وأكدت مصادر عسكرية لـ”البناء” أنّ الجهات الإرهابية مصرّة على محاولة ارتكاب الأعمال الإجرامية، إلا أنها باتت لا تملك القدرات الكافية لتنفيذ ناجح لعملياتها”، مشيرة إلى يقظة القوى الأمنية عموماً واستخبارات الجيش خصوصاً، فضلاً عن التدابير التي اتخذها الجيش في المحيط، ما أدى إلى تعقيد مهمة المجموعات الإرهابية وحرمانها من فرص النجاح الأكيد”.

ورأت المصادر “أن التدابير التي يتخذها الجيش في عرسال ومحيط الأحياء السكنية، ولا سيما المحسوبة على جمهور المقاومة، حالت دون تحقيق الإرهابيين أهدافهم”.
وشددت على “أن القوى الأمنية بنت شبكة استعلامات موثوقة مكنتها من المتابعة والمراقبة ما أدى إلى كشف العمليات الإرهابية، في المقابل فإن البيئة الحاضنة التي كان يستغلها الإرهابيون بدأت تتراجع، الأمر الذي انعكس صعوبة عند المجموعات المسلحة في الانتقال والتنفيذ”.
استياء لبناني من اللجنة الأمنية الفلسطينية

وبالتوازي بقي مخيم عين الحلوة في دائرة الضوء بعدما لجأ إليه المطلوب الفار شادي المولوي وعدم تمكن اللجنة الأمنية الفلسطينية المشتركة من إلقاء القبض عليه وتسليمه إلى السلطات اللبنانية. وقالت مصادر فلسطينية لـ”البناء” أن كلّ من التقاهم المشرف على الساحة الفلسطينية في لبنان في حركة فتح عزام الأحمد، من شخصيات سياسية وأمنية لبنانية أبلغوه استياءهم من عدم قدرة اللجنة الأمنية على تسليم المطلوبين المتواجدين في مخيم عين الحلوة، على رغم التسهيلات اللبنانية لعمل القوة”. وطالبوا الأحمد “بضرورة وجود موقف جدي من قبل الجانب الفلسطيني بتسليم المطلوبين ومحاربة تمدّد بعض الجماعات الإرهابية في المخيم، والتي تسعى إلى جرّ المخيم إلى مشكلة مع الدولة اللبنانية لا يعرف أحد ماذا تكون عواقبها”.
غير أنّ الأحمد أكد التعاون الدائم والمستمرّ مع الدولة اللبنانية، وأنّ الفصائل الفلسطينية هي على مسافة واحدة من الجميع.
جلسة جديدة لانتخاب الرئيس

سياسياً، جدد رئيس المجلس النيابي نبيه بري الدعوة إلى جلسة لانتخاب رئيس للجمهورية يوم الأربعاء المقبل، علماً أنه لم يُسجل أي خرق إيجابي على هذا الصعيد، وبالتالي فإنّ مصير الجلسة الجديدة سيكون مثل الجلسات السبع عشرة التي سبقتها.
آلية عمل الحكومة إلى الواجهة

من جهة أخرى، شهدت جلسة مجلس الوزراء أمس سجالاً بين وزير الأشغال العامة غازي زعيتر ووزير الخارجية جبران باسيل حول تغطية اعتماد بقيمة 30 مليون دولار أميركي لزوم استكمال أعمال ضرورية مكملة لمشروع طريق صور- الناقورة، وانتهى النقاش بإقرار المشروع.
من ناحية أخرى، أكدت مصادر وزارية لـ”البناء” “أن جلسة الخميس المقبل ستبحث في آلية عمل الحكومة من أجل المحافظة عليها في ظل سوء استعمال بعض الوزراء لصيغة التوافق على القرارات بالإجماع داخل مجلس الوزراء.
الأزمة اليمنية: استقالة الرئيس

في اليمن طرأ تطوّر دراماتيكي على المشهد السياسي تمثل بتقديم الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي استقالته، وذلك عقب وقت وجيز من استقالة الحكومة.
وتقدم هادي بالاستقالة إلى رئيس البرلمان غداة ضغوط خارجية تعرّض لها من قبل واشنطن ودول الخليج جراء عقده اتفاقاً مع “أنصار الله” اعتبر بمثابة تنازل، كونه جاء تحت تأثير تحركات اللجان الشعبية والثورية في البلاد، وفق ما أكدت مصادر يمنية مطلعة.
وعلى الأثر، رفض رئيس البرلمان اليمني استقالة هادي. وفيما أوردت بعض وكالات الأنباء أن البرلمان سيعقد جلسة طارئة صباح اليوم لبحث الأزمة السياسية، ذكرت مصادر مطلعة في صنعاء أن الجلسة ستعقد يوم الأحد.

وقبل خطوة هادي المفاجئة، كان رئيس الوزراء اليمني خالد بحاح، قد تقدّم بدوره باستقالته إلى الرئيس اليمني بسبب عدم رغبة الحكومة “النأي بنفسها عن المتاهة السياسية غير البناءة”، على حدّ قوله.

وجاءت هذه الاستقالة غداة إعلان هادي عن التوصل إلى اتفاق مع جماعة “أنصار الله”، يقضي بانسحاب اللجان الشعبية من صنعاء مقابل تنازلات سياسية، أبرزها تعديل مسودة الدستور.

السابق
الجيش يفكك سيارة مفخخة بمنطقة عرسال
التالي
جنبلاط عبر تويتر: رحل الفارس العربي الكبير عبدالله بن عبد العزيز