العاصفة تهبّ مرتين.. تبدأ من تركيا وتنتهي بفلسطين 11 أيلول شامل ومستمرّ يجتاح الغرب

كتبت “البناء” تقول : لمرتين متتاليتين هبّت العاصفة على لبنان، والثالثة على الطريق، والجليد سيغطي مساحات واسعة من المناطق اللبنانية، والعاصفة بطبيعتها كما سائر العواصف التي تضرب لبنان، ذات منشأ ومدى إقليميّين، تبدأ من تركيا وتنتهي بفلسطين.

سورية في قلب العاصفة، جغرافيتها ومواطنوها، وخصوصاً النازحين منهم، الذين غرّر بهم خلال بدايات الأزمة بوعود المنّ والسلوى، وتُركوا يلاقون مصيرهم، ولا من يسأل إلا للمتاجرة بتقارير البكائيات الفضائية التي يموّلها ذات مموّلي الجماعات المسلحة، وذات الذين يبخلون بأموالهم على النازحين، وذات الذين يمنعون دول الجوار التي تستضيف أغلبهم من التنسيق مع الحكومة السورية، لتأمين عودة كريمة لمن باتت مناطق سكنهم الأصلية آمنة، أو الذين يمكن استيعابهم في مراكز إيواء أشدّ أمناً وكرامة إنسانية من تلك المعتقلات الجماعية التي ينتظرون فيها الموت البطيء.

الحقد والكيد اللذان حرّكا كثيراً من السياسة نحو سورية، وبرّرا للكثيرين في العالم والجوار مدّ اليد للإرهاب، يصنعان مسرحاً جديداً في العالم والمنطقة. قال بسمارك إنّ الحقد أسوأ موجه في السياسة، ربما كان قصده أن يقرأه الملك السعودي الذي واجهت حكومته أول من أمس أولى طلائع عاصفة اقتراب “داعش” من الحدود مع العراق، وهي هجمات كما قالت مصادر سعودية أمنية لوكالات الأنباء يتوقع لها أن تتصاعد، ويخشى معها، كما قال القادة الأمنيون السعوديون، من دواعش الداخل، الذين ليسوا صناعة الاستخبارات السورية بالتأكيد، كما يحبّ الوزير أشرف ريفي أو زميله أحمد فتفت أن يصدّقا وأن يصدّقهما الآخرون.

كان في ودّ بسمارك ربما أن يسمعه رجب أردوغان وداود أوغلو، مع الهجوم الإرهابي الذي تعرّضت له الشرطة التركية، لكن الأقربين أوْلى بالسماع، فهل سمع فرانسوا هولاند وهو يبشر ويحذر من أنّ حادي عشر من أيلول شامل ومستمرّ يهدّد الغرب ويجتاح دوله، أنّ طابخ السم آكله، وأنّ الذين ضربوا في فرنسا هم الذين وقف وزير خارجيته لوران فابيوس على الحدود التركية السورية يتفقد معسكراتهم ويسميهم أبطال الحرية؟
“داعش”، مشروع يلفظ أنفاسه في المنطقة حيث ولد، فيسعى إلى التمدّد حيث المناعة أقلّ وأدنى، إلى الأردن، إلى السعودية، إلى فرنسا وتركيا.

العالم يدقّ جرس الخطر، لكن هل بات يدرك اليوم ولو بعد فوات أوان كثير، أنّ وحش الإرهاب لا يمكن تشغيله في الوقت الإضافي وبالفاتورة، وأنّ الحرب على الإرهاب لا تستقيم مع مواصلة الحرب على الدولة السورية، النموذج الفعلي للدولة التعدّدية التشاركية بين الديانات، التي تشكل النقيض الجدي لمشروع الإرهاب، والتي تملك وحدها بنك المعلومات اللازم والعزيمة والجيش والبنية الشعبية، التي تتشكل منها وحدها عناصر الفوز في هذه الحرب!

بين سورية والحرب على الإرهاب تتركز عيون العالم، وخياراته، وكيفية الجمع والضرب والقسمة، ولبنان من ضمن المعنيين بالخيارات.
لا يزال لبنان يتلمّس الطريق، يقع في الحفرة ويحاول النهوض، مقيّداً بمراضاة وحسابات خارج، خارج يضعه في عين العاصفة ويتركه وقت الشدّة وحده.
مثلما كان حوار تيار المستقبل بحسب الرئيس نبيه بري، وفقاً لما نقل عنه زواره، شبكة الأمان التي ستبقى الأهمّ للأمن الوطني ولاستقبال الإيجابيات المتوقعة نحو الاستحقاقات المقبلة، فهذا الحوار هو منصة العزل للإرهاب عن البيئة الحاضنة التي كان يسعى إليها، وبحرمان الإرهاب من هذه البيئة يستطيع الجيش اللبناني أن يحقق النصر منفرداً على كل مكوّنات “القاعدة”، ولذلك يضع بري وفقاً لزواره ثنائية تسليح الجيش وتنشيط الحوار بين المستقبل وحزب الله وتدعيمه، كرمحين للحرب على الإرهاب والفوز بها.

يؤكد زوار بري نقلاً عنه أنه يدرك أهمية تبريد التوترات المتصلة بالعلاقة بين لبنان وسورية، لأنّ اللعب بخيوط التوترات يستنفر كلّ عناصر إضعاف الموقف اللبناني في وجه الإرهاب، ويتسبّب بضرب كلّ منجزات التهدئة التي تتحقق بين الأطراف اللبنانية على أكثر من صعيد، عدا عن الضرر الذي يلحقه بالعلاقة بين البلدين.

ينفي بري لزواره نهائياً أيّ صحة للكلام عن فرض سمة دخول على السوريين الراغبين بزيارة لبنان عبر الحدود. يقول لزواره بنبرة استنكار، إنه استوضح فوراً من وزير الشؤون الاجتماعية ومن مدير عام الأمن العام طبيعة الإجراءات المتخذة، عندما سمع سؤالاً من ممثلة المفوضية الأوروبية بهذا الصدد، وهو يجزم أن لا تأشيرة دخول تفرض على السوريين، وأنّ ما يقوم به الأمن العام اللبناني لا يتعارض مع مبدأ التنقل من دون تأشيرة بين البلدين، وهو يتضمن الحصول على معلومات من الوافدين تحدّد وجهتهم وغرض زيارتهم وبعض التفاصيل الضرورية أمنياً.

انتهت عطلة الأعياد التي تجمّدت فيها الحركة السياسية، لتأتي العاصفة الثلجية وتشلّ البلد من جديد. لم تنجح الجلسة 17 أمس في انتخاب رئيس للجمهورية، فالستاتيكو القائم لا يزال على حاله، بانتظار التطورات الإقليمية، ما استدعى من رئيس المجلس النيابي نبيه بري إرجاء الجلسة الأولى في مطلع العام الحالي، إلى 28 من الشهر المقبل.

في هذا الوقت لا يزال الحوار بين حزب الله وتيار المستقبل في الواجهة ويحظى بالأهمية في ظلّ الأجواء الإقليمية. وفيما تعقد جلسة الحوار الثالثة في 16 الجاري في مبنى المختبر المركزي التابع لمجلس النواب في عين التينة، أبدى الرئيس نبيه بري بحسب ما علمت “البناء” ارتياحه لجلسة الحوار الثانية بين حزب الله وتيار المستقبل، واعتبر “أنها وفرت غطاء أمنياً للقوى الأمنية لكي تتحرك من دون قيود”، لافتاً إلى “أنّ هذا سيترك آثاره على الأمن الوطني ككلّ بما يتجاوز العلاقات الثنائية بين الطرفين”. واعتبر “أنّ الدعم الإيراني والسعودي للحوار هو مسألة شديدة الأهمية، يهيّئ لبنان لكي يكون المتلقّي الأول لأية تحوّلات إيجابية على المستوى الإقليمي”. في حين أكد النائب أحمد فتفت في حديث إلى “المركزية” أنّ جلسة الحوار بين حزب الله و”المستقبل” طرحت فيها كيفية تطبيق الخطة الأمنية في البقاع، سرايا المقاومة، الاستفزازات في شوارع بيروت من رفع أعلام وما شابه.

وفي السياق لم ينف النائب سمير الجسر لـ”البناء” كلام النائب فتفت، وأكد أنّ جلسة الحوار الثانية في عين التينة بحثت في مسبّبات الاحتقان والتشنّج المذهبي، لافتاً إلى “أنّ الحوار أتى على موضوع سرايا المقاومة والخطة الأمنية وغيرها من المواضيع، وأنّ كلّ فريق أبدى رأيه وقدّم وجهة نظره حيال المواضيع التي طرحت”، معتبراً “أنّ الأجواء كانت ايجابية”.

في المقابل، استغربت مصادر مطلعة لـ”البناء” الكلام الذي صدر على لسان النائب فتفت، وطرحت أسئلة حول خلفية تشكيكه بالحوار”. وشدّدت المصادر على “أنّ أجواء الجلسة كانت ايجابية وأنّ الفريقين عبّرا عن نية جدية في البحث في أيّ موضوع وعدم القفز بين المواضيع لكي لا تتشتت الجهود، لا سيما أنّ العنوان الرئيسي للحوار خفّض مستوى التشنّج على الساحة اللبنانية عموماً والساحة السنية الشيعية خصوصاً”. ولفتت المصادر إلى “أنّ الفريقين أشعرا بعضهما بعضاً بالاهتمام المتبادل للبحث في مسبّبات الاحتقان المذهبي الحاصل وأهمية تنفيسه.

وأبدى المطارنة الموارنة خشيتهم أن يبقى الحوار على مستوى إدارة الخلافات الثنائية، فيما نحن أحوج ما نكون إلى حوار شامل يستلهم الثوابت اللبنانية، المتضمّنة في الميثاق الوطني وفي الدستور، حتى تصبّ هذه الحوارات في مصلحة لبنان ومنعته ورقيّه، ومصلحة اللبنانيين جميعاً”، وأكدوا في اجتماعهم الشهري برئاسة البطريرك الماروني بشارة الراعي “أن لا مستقبل واعداً للبنان، إذا استمرّ أسير المحاور الإقليمية وتلك الداخلية الناشئة عنها، ورهين المصالح الفئوية المذهبية والحسابات الخارجية”.

إلى ذلك أكد رئيس حزب القوات سمير جعجع في مؤتمر صحافي عقده في معراب بعد تأجيل جلسة انتخاب الرئيس، “أن لا مشكلة لديه في الذهاب إلى الرابية، وأنه يوافق رئيس تكتل التغيير والإصلاح العماد ميشال عون على مقولة الجمهورية قبل الرئاسة ومن خلال وجود النيات الحسنة يمكن الوصول إلى تصورات مشتركة معه”.

وفي إطار آخر، يبحث مجلس الوزراء في جلسته اليوم في السراي الحكومية، إضافة إلى جدول الأعمال، في تداعيات العاصفة التي تضرب لبنان. كما سيبحث المجلس في ملفي النفايات والفساد الغذائي. وسيتطرق إلى السجالات الإعلامية بين الوزراء لا سيما بين وزيرَي الاقتصاد آلان حكيم والصحّة وائل أبو فاعور، وضرورة وضع حدّ لها”.

وعلمت “البناء” “أنّ وزراء 8 آذار سيثيرون في الجلسة الإجراءات التي اتخذتها وزارة الداخلية بحق السوريين لجهة فرض تأشيرة دخول عليهم”، لجهة تعديلها وإيجاد حلّ يحترم واقع العلاقة بين البلدين واتفاق الطائف”.

وفي السياق ذاته، أشارت مصادر مطلعة لـ”البناء” إلى أنّ فرض التأشيرة اتخذ في وزارة الداخلية وبالتشاور مع رئيس الحكومة وأبلغ إلى الأمن العام للتنفيذ”، مشيرة إلى “أنّ الأمن العام لم يكن مستعداً لمثل هذه الخطوة التي تتطلب جهازاً مختصاً غير متوافر حالياً، وإجراءات إدارية ولوجستية غير متوافرة أيضاً”. وشدّدت المصادر على “أنّ هذه الخطوة هي بمثابة إسقاط لاتفاق الطائف الذي ينص على العلاقات المميّزة مع سورية”.
وفيما حضر فرض التأشيرة على السوريين في اللقاء الذي جمع المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم بأمين عام المجلس الأعلى السوري ـ اللبناني نصري خوري. أكد الرئيس بري أمام زواره “أنّ الإجراء ليس تأشيرة دخول إنما هو بيان يوضح طبيعة الزائر السوري ويسمح بتوثيق هدف الزيارة”، واعتبر أنّ هذا الإجراء يجب أن يتمّ بالتنسيق مع السلطات السورية”.

من ناحية أخرى، ترأس الرئيس سلام اجتماعاً طارئاً للجنة الوطنية لمواجهة الكوارث والأزمات في رئاسة مجلس الوزراء في السراي الكبيرة، بحضور رئيس اللجنة الأمين العام للمجلس الأعلى للدفاع اللواء الركن محمد خير، وأعضاء اللجنة. وبحث المجتمعون في تداعيات العاصفة والإجراءات التي تتخذها المؤسسات والإدارات الرسمية في مختلف المناطق اللبنانية لمواجهة الأضرار الناتجة منها على صعيد المواطنين والممتلكات، لا سيما إقفال الطرق والانزلاقات الترابية والأعطال التي لحقت بشبكات المياه والكهرباء والهاتف.

وأعطى سلام توجيهاته إلى اللجنة وكل أجهزة الوزارات والإدارات حول ضرورة استنفار كل أجهزتها والتحاق الموظفين بمراكز عملهم لتأمين حسن سير العمل وبخاصة في المرافق الحيوية. وشدّد سلام على ضرورة الاهتمام بمخيمات النازحين السوريين وتأمين المساعدات المطلوبة لمواجهة أضرار العاصفة وتداعياتها.

السابق
هولاند يدعو الى الوحدة: الخميس حداد وطني
التالي
أزمة داخل البيت الحكومي