تبدأ بحلف عسكري إيراني عراقي سوري.. والأسد في جوبر سقط

بدأ العام الجديد حزيناً بوداع الرئيس عمر كرامي، الرجل الذي كان خزيناً دائماً في الذاكرة لقامات الرجال الكبار، عندما تستدعي السراي خطط الإنقاذ ورجال المواقف، والقامات التي تغوي السلطة ولا تغويها لا سلطة ولا جاه ولا مال.
رحلت قامة الرجل الدولة الكرامة، ولبنان يتخبّط في البحث عن ذاته، ومخرج من أزماته التي تتراكم كطبقات الثلوج التي تعد بها الأيام الآتية من شتاء يبدو أنّ ملامح قسوته قد بدأت.
بينما بدأت سنة 2015 بتكريس الحلف الدفاعي الذي أقامته إيران على حدة مع كلّ من سورية والعراق، ودعت إلى تحويله ثلاثياً إيرانياً ـ عراقياً ـ سورياً، نظراً إلى أهمية التنسيق العراقي ـ السوري في الحرب على الإرهاب، كما قال وزير الدفاع الإيراني، هو عملياً سيكون وفقاً لمصادر الحرس الثوري الإيراني رباعياً يضمّ حزب الله كلاعب رئيسي على مسرح المنطقة.
الحلف العسكري الجديد الذي يحظى بدعم روسي واسع، يشكل لاعباً إقليمياً ستظهر أدواره تباعاً حيث فشل التحالف الذي أقامته واشنطن تحت شعار الحرب على “داعش”. فالمصادر الحكومية العراقية، المقرّبة من الرئيس حيدر العبادي أكدت لـ”البناء” أنّ الأحداث العسكرية ستحمل المزيد من الإنجازات، في الأشهر الأولى من العام الجديد، خصوصاً في محافظات صلاح الدين والأنبار وديالى ليتمّ التفرّغ مع الربيع للحسم في الموصل، حيث يتوقع أن تكون القوات السورية النظامية قد حسّنت مواقعها في دير الزور بما يمنع تدفق مقاتلي “داعش” والفرار نحو الأراضي السورية، وتكون الوحدات الكردية قد حسمت سيطرتها في الحسكة، لتكون الرقة آخر المعارك مع التنظيم الذي تكون حروب الحسم قد أنهكته وتكفّلت بجعله يحتضر، وهو الوعد الذي يختصر مضمون كلمات الرئيس السوري بشار الأسد في زيارته ليلة رأس السنة إلى جنود وضباط الجيش في مواقعهم الأمامية في حيّ جوبر الدمشقي، بالتزامن مع تحضيرات سورية ومصرية وروسية للحوار السياسي، وتحضيرات المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا لتجميد القتال ووقف التسرّب الحدودي في شمال سورية، ليتوقف مسعى الحوار ومسعى الحلّ الأمني على وجود شركاء حقيقيين في جسم المعارضة يستطيعون القيام بموجبات الحلّ، ويتحمّلون تبعاته.
في عناوين العام الجديد، جنباً إلى جنب، مع سقوط حلف واشنطن في وجه الإرهاب في مستنقعات الفشل، فشل أميركي آخر، في ربط الصراع حول فلسطين بمفاتيح التفاوض، فقد سقطت رؤية وزير الخارجية الأميركي جون كيري في مستنقع الفشل هي الأخرى، وها هي السياسة “الإسرائيلية” تغرق في تنافس التطرف والمزايدات الانتخابية لجذب قطعان المستوطنين، بينما التضامن الأميركي الأعمى مع “إسرائيل” تكفّل بإحباط فرص الهدوء الفلسطيني وافتتح مرحلة من المواجهة، بدأت مع توقيع الانضمام من قبل دولة فلسطين إلى اتفاقية المحكمة الجنائية الدولية، وما سيتبعها من تصعيد وعد وتوعّد به بنيامين نتنياهو.
وداع دولة “الكرامي”
في اليوم الأول من العام الجديد، طغت وفاة الرئيس عمر كرامي وتشييعه السياسي والشعبي الجامع، على المشهد اللبناني. إذ بوفاة “الأفندي” بعد معاناة مع المرض عن عمر ناهز الثمانين عاماً، خسر لبنان أحد أبرز رجالاته بما انتهجه من فعل وقول، من اعتدال في المواقف، وحرص على الوحدة الوطنية ونبذ للفتنة التي مدّت أصابعها إلى بيته عندما اعتدى مسلحون على نجله الوزير فيصل.
وأجمعت المواقف التي رثته على أنه رجل وطني بامتياز مثمّنة مواقفه العروبية، ولا سيما قضية فلسطين، كما انحيازه إلى المقاومة في لبنان وتقديره إنجازاتها. وأكدت أنه “شكل صمام أمان للثوابت الوطنية، فمصلحة لبنان بالنسبة إليه تتقدّم على ما عداها”، وتغلب “على جراحه النازفة من جراء جريمة اغتيال شقيقه الرئيس الرشيد، وعمل على تضميد جراح لبنان، بكلّ صدق وشجاعة ومسؤولية”.
وكان كرامي شيّع في مأتم رسمي وشعبي حاشد، شاركت فيه قوى 8 و14 آذار، في مسقط رأسه طرابلس التي اتشحت بالسواد وأقفلت مؤسساتها الخاصة والعامة حداداً على الراحل الكبير. وتقدم المشيعين ممثل رئيس المجلس النيابي النائب علي بزي، رئيس الحكومة تمام سلام، مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان ورؤساء سابقون ووزراء ونواب وفاعليات. وبعد أن أمّ دريان الصلاة على الجثمان في المسجد المنصوري، انتهت محطة مسيرة الرئيس كرامي بوصول جثمانه إلى مدافن العائلة في باب الرمل حيث ووري في الثرى إلى جانب والده رجل الاستقلال عبد الحميد كرامي وشقيقه الرئيس الشهيد رشيد، فيما أعلن الرئيس السلام الحداد الوطني ثلاثة أيام.
لقاء عون جعجع بانتظار الصف الثاني
سياسياً، ينتظر أن يستأنف الأسبوع المقبل الحوار بين حزب الله وتيار المستقبل، في وقت تستمرّ التحضيرات للقاء المرتقب بين رئيس تكتل التغيير والإصلاح النائب ميشال عون ورئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع في الرابية على مستوى الصف الثاني من الجانبين.
وأكدت مصادر التيار الوطني الحر لـ”البناء” أنّ موعد اللقاء لم يحدّد بعد، مشيرة إلى “أنّ اللقاء ينتظر ما ستتوصل إليه “حوارات الصف الثاني بين الوطني الحر والقوات من نتائج، لتكريس ما اتفق عليه، وإلا فلن يعقد أي لقاء”. وشدّدت المصادر على “أنّ زيارة رئيس حزب القوات إلى الرابية لن تكون استعراضية أو لالتقاط الصورة، لأنه لو كان الأمر كذلك لكان العماد عون وجعجع التقيا في بكركي على غرار اللقاءات التي كانت تحصل”.
وأكدت المصادر “أنّ ما يتمّ التداول به عن انتخاب عون رئيساً للجمهورية لمدّة ثلاث سنوات على أن يكون جعجع خلفًا له للمدّة عينها، غير مطروح وغير وارد على الإطلاق”، مبدية استياءها “من محاولة بعض الأطراف العمل على تكريس نمط غير مقبول في الحياة السياسية”.
اشتباكات في الجرود وصدّ تسلّل للمسلحين
أمنياً، لم تهدأ جبهة البقاع الشمالي في عطلة رأس السنة إذ اندلعت اشتباكات بين الجيش اللبناني والمسلحين في جرود رأس بعلبك وعرسال.
ونفذ الجيش أمس غارة في جرود عرسال ما أدّى إلى مقتل 5 من متزعّمي جبهة “النصرة” وإصابة 9 آخرين، وذلك أثناء اجتماع لهم لـ”مبايعة” “داعش”. ونقل المصابون إلى مستشفى مرطبيه ومدينة الملاهي في عرسال.
وفي السياق، أكدت مصادر عسكرية لـ”البناء” أنّ الجيش “قصف موقعاً في الجرود يتخذ المسلحون منه مركزاً للتسلل باتجاه عرسال”، لافتة إلى “أنّ الجيش منع عملية التسلل”.
وشددت المصادر على “أنّ منطقة القلمون باتت ممسوكة بإحكام من قبل الجيش السوري وحزب الله، ولذلك فإنّ عمليات الإرهابيين في القلمون أو باتجاه المناطق اللبنانية لن تتعدّى عمليات التسلل المحدودة السقف”، مشيرة إلى “أنّ المسلحين في تراجع”.
خطوة ملتبسة لـ”النصرة”
من جهة أخرى، وفي خطوة ملتبسة الدلالات على صعيد قضية العسكريين المخطوفين لكن يبدو أنها مقدمة لتصعيد جديد، التقى الشيخ حمزة حمص أمس ابنه المخطوف لدى “جبهة النصرة” العريف وائل على مدى ساعة وربع الساعة في جرود عرسال. وجاء هذا اللقاء بعد أن تلقى حمزة اتصالاً من أمير “جبهة النصرة” في القلمون أبو مالك التلي الذي طلب منه التوجه إلى عرسال برفقة زوجة العسكري وائل. فيما أعلن التلي “أن العسكريين الأسرى سيلتقون جميعهم أهلهم وزوجاتهم وأولادهم في الأيام المقبلة”.
وأكدت مصادر في “هيئة علماء المسلمين” لـ”البناء” أنّ مبادرة “جبهة النصرة” السماح للأهالي رؤية أولادهم، يخدم “جبهة النصرة” التي قد تلجأ مرة جديدة إلى دفع الأهالي للقيام بتحركات للمطالبة بتحرير أبنائهم”. وأشارت المصادر إلى “أنّ الشيخ وسام المصري يحظى برضا تنظيم داعش كما هي حال نائب رئيس بلدية عرسال أحمد الفليطي”، لافتة إلى “أنّ موقف جبهة النصرة غير واضح، وهذا يعود إما إلى تراجع دورها نتيجة الانشقاقات التي شهدتها في صفوفها، وانضمام بعض عناصرها إلى داعش، وإما لأنها غير راضية عن دور المصري في عملية التفاوض”.
وجددت المصادر التأكيد أنّ “الهيئة لم تعد تحظى برضا تنظيم وداعش للقيام بدور الوساطة، كذلك بموافقة الحكومة اللبنانية”، مشيرة إلى “أنّ الحكومة تعتبرها عميلة عند المسلحين، الذين بدورهم يعتبرونها أنها تعمل لمصلحة الحكومة”.
اشتباك غذائي بين “الصحة” و”الاقتصاد”
في شأن محلي آخر، تطوّر الخلاف بين وزير الصحة العامة وائل أبو فاعور ووزير الاقتصاد آلان حكيم على خلفية ملف سلامة الغذاء، لا سيما لجهة السكر الفاسد في مرفأ طرابلس والأسئلة التي وجهها أبو فاعور إلى وزارة الاقتصاد حول هذا الأمر، محمّلاً الوزارة المسؤولية.
وبعدما ردّت الوزارة بأنها غير معنية إلا بكمية البضاعة الموجودة حالياً في المستودعات وتاريخ إدخالها إلى الأسواق اللبنانية، صدر عن مكتب أبو فاعور بيان جاء فيه: “يبدو أننا أخطأنا في افتراض مهام غير واقعية لوزارة الاقتصاد، كمثل سلامة الاقتصاد وصحة المواطن، فاقتضى الاعتذار. وبناء عليه نقترح تغيير اسم الوزارة من وزارة الاقتصاد الوطني إلى وزارة الاختصار الورقي والاقتصاد في المهام، التي كما فهمنا من بيانها، لا تتعدّى حدود توقيع البيانات الجمركية، أي أنها وزارة الأعمال الورقية بامتياز”.
وردّ المكتب الإعلامي للوزير حكيم على أبو فاعور مكرّراً أنّ وزارة الاقتصاد والتجارة غير معنية بالإجابة عن الأسئلة التي تمّ طرحها في البيان، باستثناء ما يتعلق بكمية البضاعة الموجودة حالياً في المستودعات وتاريخ إدخالها إلى الأسواق اللبنانية. أما بقية الأسئلة فيجب التوجه بها إلى إدارة مرفأ طرابلس وإدارة الجمارك اللبنانية.
تمديد ولاية المحكمة الدولية
في مجال آخر، قرّر الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون تمديد مهمة المحكمة الدولية الخاصة بقضية الرئيس رفيق الحريري لمدة 3 سنوات، تبدأ من الأول من آذار المقبل.
وقال بان في بيان أمس إنّ قراره المتعلق بتمديد ولاية المحكمة “يأتي وفقاً لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 1757 الصادر عام 2005”. وجدّد التأكيد “التزام الأمم المتحدة بدعم عمل المحكمة الخاصة بلبنان لتقديم المسؤولين عن ذلك الهجوم إلى العدالة وضمان عدم الإفلات من العقاب على مثل هذه الجرائم الكبرى”، آملاً أن تستمرّ الحكومة بالتعاون مع المنظمة الدولية في هذا المجال.
وفي إطار المحاكمات استمعت غرفة الدرجة الأولى في المحكمة التي تقع في لاهاي إلى أكثر من 30 شاهداً في القضية بينهم النائب مروان حمادة. ومن المتوقع أن تستدعي رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط.

السابق
تلاقي اللبنانيين في وداع عمر كرامي
التالي
والد مخطوف لدى داعش التقاه في جرود عرسال المعارضة تشترط وقف القصف..