هنا الخريف، سيّدُ الفصولِ، ما فاضت به النفسُ من ألوانٍ وأحوالٍ، مخمرُ الذكرياتِ العابقُ والحالمُ باستعادةِ الأوقاتِ التي صارت مستحيلة. هنا الخريفُ، يحدثُ هذهِ المرّة والعمرُ جاوز الخمسينَ بأشهرٍ، نصفُ قرنٍ كانَ كافياً ليقسمَ المشهدَ الى اثنين: واحدٌ يعيشُ هناكَ حيثُ عُلِّقتِ الأماني يوماً بجيدِ الرياحِ الراحلاتِ النائحاتِ، وآخرُ عالقٌ هنا في فجوةِ العمرِ اللئيم. هنا الخريف، ربّما اشتعلتْ رؤوسُ الأشجارِ بالحكمةِ والدرايةِ، لكنَّ الثمرَ صارَ بعيدَ المنال من دونَ شك: إنّها الخاتمة، الموتُ الذي يتزيّنُ بهذا البهاءِ كي يربحَ خلوداً مُتْرَفاً بالغياب. هنا الخريف، فصلُ نضوج وجنون الرغبات والاشتهاء، نافذة أخيرة على الأمكنة والأحباب وما جرى ذات عمرٍ غافلٍ. هنا الخريف، وبالرغم من الحظ العاثر، ثمة ورقة أخيرة ترفض الإذعان والسقوط.
نص وتصوير: بومدين الساحلي