هذا هو الرجل المناسب!  

بدأ الحديث عن اختيار رئيس توافقي للجمهورية. هذا التوافق مطلوب ومرغوب وضروري… ولكنّه غير كافٍ! المطلوب هو الرئيس التوافقي والمناسب في آن واحد. الرئيس المناسب هو الذي يتحلى بالمواصفات المطلوبة منه كي يستطيع القيام بدوره خير قيام في كل المجالات والميادين، إذ هو يستجيب لمتطلّبات (Exigences) الوضعيّة اللبنانيّة في ظروف لبنان التاريخيّة الحاضرة.

إنّ معركة رئاسة الجمهوريّة ليست ضرباً من الألغاز والأحاجي كما يريدها البعض ويراها، بل هي مناسبة للصراحة والوضوح وبالتالي فإنّ مثل هذا الخيار يفترض حدّاً أعلى من الأخلاقيّة السياسيّة. وبهذه يتمّ تجاوز الاعتبارات العائليّة والفئويّة والعاطفيّة والحزبيّة إلى الاعتبارات العقلانيّة المنطقيّة لأن لبنان بحاجة قصوى إلى العقلانيّة والجديّة في مقاربة قضاياه المصيريّة.
لنبدأ بما ليس مناسباً لرئاسة لبنان، وهذا يشمل أربع فئات:
1 – الوصوليّون الانتهازيّون الذين يجيدون ركوب الموجات لاحتلال المناصب كلّما سنحت لهم الظروف. فكيف بالرئاسة!
2 – الانتفاعيّون الذين يحوّلون السياسة من مهمة شريفة، كما وصفتها الكنيسة، إلى مكسب تجاري: السياسة التجارية والتجارة السياسيّة!
3 – المرتهنون: الذين قرارهم بيد غيرهم من قوى وفئات وأنظمة ودول: داخليّة أو إقليميّة أو دوليّة، وبالتالي فهم يعملون لخدمة الغير لا لخدمة لبنان وشعبه.
4 – العاديّون: وهم الذين ليست لهم تجربة نضاليّة في العمل السياسي ولا يتمتعون بالحد المطلوب من الممارسة السياسيّة والثقافة السياسيّة. إنّهم يفتقرون إلى تاريخ سياسي وإلى نضج سياسي وإلى وعي عميق بالقضيّة اللبنانيّة وبالتالي إلى فاعلية سياسيّة.
باستبعاد مثل هؤلاء، ما هي المواصفات والمعايير الأساسيّة التي تجعل من المرشح التوافقي رئيساً مناسباً للبنان؟
أولاً: الانتماء، في بعديه الوطني والديني:
1 – وطنيّاً: أن يكون لبنانوياً وليس مجرّد لبناني، أي أن يؤمن بلبنان حقيقة جغرافيّة وتاريخيّة وكياناً ثابتاً ونهائياً، ويعمل له.
2 – دينياً: أن يكون مارونوياً وليس مجرّد ماروني، أي أن يؤمن بلبنان باعتباره رمزاً مارونيّاً هو جزء من لاهوت القداسة في الكنيسة المارونيّة، ويعمل له. وهذه الرمزيّة التاريخيّة هي التي تجعل من لبنان قبلة الموارنة في جميع أنحاء العالم، وتبرّر الالتزام بالمحافظة عليه، والدفاع عنه، والاستشهاد في سبيله.
ثانياً: الثقافة: هي، إلى جانب الشجاعة الركيزتان اللتان تقوم عليهما الدولة في القرن الحادي والعشرين كما يؤكد وزير الثقافة الفرنسي الأسبق أندره مالرو. وهذا التوصيف يصحّ أكثر ما يصحّ على الدولة اللبنانيّة لأنّ قوّتها الحقيقيّة هي في ثقافة شعبها والمسؤولين فيها. إن الثقافة هي الرافعة التاريخيّة للوضعيّة اللبنانيّة والقوّة الأولى لرئيس لبنان.
ثالثاً: البعد الجيوبوليتيكي: لا يمكن حكم لبنان إلا باستيعاب عميق لجيوبولتيك هذا الوطن. فلبنان ميشال شيحا ليس جزيرة ولا جسراً بل نقطة مركزيّة ومحور جيوبولتيكي للدول وشعوب المنطقة. وهذا الوعي يحدّد موقع لبنان والتحدّيات التي تواجهه وخاصة إزاء الفتنة السنيّة – الشيعيّة وبالتالي يرسم دور رئيس الجمهوريّة ليس فقط في مواجهة الأزمات بل في التحسّب لها والعمل لمنعها قبل وقوعها إنطلاقاً من مفهوم نبوي لأحد بُناة الاستقلال، ميشال زكّور القائل، منذ العام 1926، “لبنان موجود لصالح جميع أبنائه ولصالح جيرانه وليس موجوداً ضدّ أحد”.
رابعاً: البعد القانوني – الدستوري = الشرعيّة العقلانيّة: كلّما صغرت الدولة وتعدّدت تركيبتها السوسيولوجيّة، يصبح دستورها أكثر ضرورة وأهميّة بما يتجاوز الفتوى والتكليف الشرعي. فيصبح قادتها ملزمين بحفظ مواثيقها وفي مقدّمها الدستور. من هنا أهميّة أن يكون رئيس لبنان ضالعاً في الأمور الدستوريّة. فكيف به إذا كان هو واضع دستور الطائف بمقدّمته وتعديلاته؟!
لماذا إدمون رزق هو الرئيس التوافقي والمناسب لجميع اللبنانيّين؟
أولاً: لأنّه لبنانويّ مارونويّ من مدرسة يوسف السودا وبطريرك الكيان الياس الحويّك، وهو في موقعه هذا وموقفه كرجل سياسي وطني يمثّل قيادة مارونيّة ولا يمثّل زعامة مارونيّة. والفارق كبير بين الأمرين. إنّه وطني ممنَّع ضد الترغيب والترهيب وهو من دعاة وبناة وحماة لبنان: الحقيقية التاريخيّة الجغرافيّة… لبنان جبل الحرية! لبنان الحياة المشتركة المسيحية – الاسلاميّة… لبنان الميثاق الوطني، لبنان المحب والحاضن لجميع عائلاته الروحيّة!
ثانياً: ماذا يمثّل إدمون رزق بالنسبة للعائلات اللبنانيّة للشعب اللبنانيّ؟
1 – مسيحياً مارونيّاً، ولنقل كتائبيّاً وقوّاتياً: فإن نضاله السياسي طوال أربعين عاماً يحكي عن نفسه. ولعلّ ذروته في كونه واضع الخطاب الرئاسي للرئيس أمين الجميّل.
2 – الرئيس سليمان فرنجيّة كان يحترمه ويرتاح إليه حتى في أصعب الظروف حراجة بينه وبين الكتائب!
3 – الرئيس رينه معوّض، وانطلاقاً من تقديره لدور إدمون رزق في اجتماعات الطائف كلّفه بكتابة خطابه الرئاسي وهذه ذروة الثقة به.
4 – أهل السنّة يجدون فيه ولديه بلاغة العرب وثقافتهم وتطلّعاتهم في أرقى مظاهرها. إنّه رجل الكلمة العربيّة البكر على منابر لبنان ومنابر العالم العربيّ ومنتدياته. إنّه من بُناة العروبة الحضاريّة.
5 – الشيعة من جانبهم لن يجدوا بين شخصيّات الموارنة مَن هو عاشورائي مثل إدمون رزق. فهو خطيب عاشوراء لأكثر من ثلاثين عاماً، وفي معظم الحسينيّات في بيروت والجنوب والبقاع صدى لبلاغته ومشاعره الحيّة والصادقة في إزاء فاجعة استشهاد الإمام الحسين (عليه السلام)، وهذه مسألة ذات حساسيّة خاصّة لدى الشيعة.
6 – أما الدروز وعلى رأسهم الأستاذ وليد بك جنبلاط، فهم يدركون بالحس التاريخي المعنى الجيو- سياسي لوجود منطقة جزين المهم: جغرافياً وديموغرافياً، بين جبل الشوف الدرزي وجبل عامل الشيعي. فلقد كان الوجود الماروني فيها أمراً ذا دلالة حياتيّة وجوديّة باعتبارها نقطة فصل ووصل في آن واحد. وبوجود رئيس جمهوريّة من جزّين سيكون للدروز ضمانة سياسيّة وديموغرافيّة يؤكدها مسار التاريخ وترسّخها القربى الجغرافيّة. وتتكامل وتتفاعل فيها وعبرها أمّة الفلاّحين الموارنة وأمّة المشايخ الموحّدين الدروز كما لم يحدث من قبل وبما يزيل الهواجس التي عبّر عنها الأستاذ جنبلاط اخيراً!
7 – هناك سبب جوهري جيو-سياسي إضافي قلّما يلتفت إليه المعنيّون بالرئاسة، وفيه:
– ترسيخ التواجد الماروني في الأطراف ول اسيّما في الجنوب!
– وتأكيد معنى الجنوب المقاوم بمعناه الشامل: من أجل الوطن والحرية.
– والحفاظ على الإرث الثقافي اللبناني – العربي.
– والحرص على لبنان العدالة بتوازنه في محافظاته الخمس.
… فحتى الآن كان رؤساء الجمهوريّة من بيروت زمن الانتداب وصولاً إلى بشاره الخوري في زمن الاستقلال.
ثم كان من الجبل ثمانية رؤساء: شمعون – شهاب – حلو – سركيس – الجميّل (بشير) الجميّل (أمين) – لحود – سليمان.
وكان من الشمال رئيسان: فرنجيّه ومعوّض.
وكان من البقاع رئيس: الهراوي.
فلماذا لا يكون للجنوب مكان وموقع في رئاسة الجمهوريّة منذ أكثر من سبعين عاماً؟ فهل حرمان الجنوب من المشاركة في رسم مصير لبنان باختيار رئيس جنوبي يصبّ في خانة تقوية لبنان أم إضعافه؟
في الخلاصة، لقد أزفت الساعة ليكتب إدمون رزق خطابه الرئاسي لنفسه لا لغيره. ومعه سيكون كلّ اللبنانيّين رابحين ولن يكون أحد خاسراً. فهو لم يكن يوماً ولن يكون رجل الوطنيّات المشلّعة، بل رمزاً للكبرياء الوطنيّة. ومع كل احترامي للمرشحين الموارنة للرئاسة، وبينهم أصدقاء وأحبّاء، فإن مصلحة الأمّة تبقى فوق كل اعتبار. وأقول لهم كمواطن وباحث ما تقوله الآية: “هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين”! … اللهمّ فاشهد، إنّي قد بلّغت..!

http://newspaper.annahar.com/article/169778

السابق
بلدية حارة حريك: تحويل السير من شارع المقاومة والتحرير
التالي
«داعش» وتهجير الأقليات