لبنان الرسمي يحب الهبات ونحن نريد حصّة

هي نقطة إجماع والجميع يريد حصّةً فيها. ونحن، الشعب الفقير، الّذي يشمّ رائحة الهبة من بعيد، ويسمع بالمبالغ الخيالية، لا يستفيد من التبرعات بأكثر من "كرتونة إعاشة" أو إفطار في رمضان. لا نعرف نحن، الشعب الفقير، ما للحكومات وما عليها، لا أين كان يجب أن يذهب استثمارها ولا ما حدث فعلاً.

هي نقطة إجماع والجميع يريد حصّةً فيها. ونحن، الشعب الفقير، الّذي يشمّ رائحة الهبة من بعيد، ويسمع بالمبالغ الخيالية، لا يستفيد من التبرعات بأكثر من “كرتونة إعاشة” أو إفطار في رمضان. لا نعرف نحن، الشعب الفقير، ما للحكومات وما عليها، لا أين كان يجب أن يذهب استثمارها ولا ما حدث فعلاً.

لا نعرف تحديداً، كمواطنين صالحين أو غير صالحين، إلى أين تذهب الهبات والمنح الموجّهة إلى بلادنا. لا نعرف آلية صرفها ولا آلية استلامها ولا آلية استثمارها. نسمع أنّ لبنان حصل على هبة. لكن كما “يغط الحمام ويطير الحمام”، لا نعرف يوماً أين اختفت المساهمة الّتي يُفترض أن تسعى إلى تطوير البلاد. لا البلاد تتطوّر ولا الهبات تتوقّف. تصبح شحيحة أحياناً، بحسب الظروف الإقليمية، وتغيراتها، لكنها تستمرّ بشكل أو بآخر.
نسمع، عبر شاشات التلفزيون وإذاعات الراديو، ونقرأ في الصحف، نغمات الشكر تتردّد للجهات المانحة. نسمع الهتافات ونقرأ البيانات الّتي تزايد في الشكر، فالمسؤول هذا يشكر باعتدال، والآخر يفيض شكراً، والثالث يكاد أن يصل به الحدّ أن يموت من كثرة الامتنان.
لبنان الرسمي يحبّ الهبات، أكثر ممّا يحب الأطفال الحلوى. لكن كما قد يخالف الولاد تعليمات ذويهم، فيُعاقَبون عبر الحرمان من السكاكر، أظهر المجتمع الدولي حذراً، إبّان أزمة النزوح السورية، في التعامل مع لبنان الرسمي والتصدّق له بالحلويات. اختار أن تذهب المساعدات إلى الجهات المدنية والجمعيات، لكن ذلك لم يمنع من حدوث فضيحة الاختلاس من هئية الإغاثة وما رافقها من شائعات عن التورط وحجم النهب.
لبنان الرسمي يحب الهبات، إن أغلقت له باباً، “نتشها” من الشباك. يحب أيضاً أن يتكتّم عن هداياه من الحلوى، كي لا يشاركها مع الأولاد الآخرين، وإن كانت وصايا ذويه أن يأكلها باعتدال ويوزعها بإنصاف.
وتكاد الهبات أن تكون نقطة إجماع وطني بامتياز. كل الأحزاب تقريباً تشيد بها، ولم نجد جهةً ما يوماً تنتفض للكرامة الوطنية والسيادة، لتقول نريد أن نبني فرصاً للاستثمار في لبنان وأن نستثمر ثروات هذا البلد، وأن نصبح أقوياء بما يكفي للترفع عن المساعدات.
هي نقطة إجماع والجميع يريد حصّةً فيها. ونحن، الشعب الفقير، الّذي يشمّ رائحة الهبة من بعيد، ويسمع بالمبالغ الخيالية، لا يستفيد من التبرعات بأكثر من “كرتونة إعاشة” أو إفطار في رمضان. لا نعرف نحن، الشعب الفقير، ما للحكومات وما عليها، لا أين كان يجب أن يذهب استثمارها ولا ما حدث فعلاً.
المؤسسات الرسمية والحكومية في لبنان هي نفسها السلطة الّتي تمسك بزمام الأمور وتنفذ المشاريع والسلطة الّتي تمارس الرقابة. وتأتي هذه الرقابة الذاتية كنوع من الإمعان في سياسة غض النظر. لا بأس إن قصّرت هنا أو هناك.
لبنان الرسمي يحب الهبات، يحب أن يبقى هذا الوطن رهينة المساعدات الخارجية، ولو أتت من أميركا “الشيطان الأكبر”، أو حتى إيران “الشيطان الأكبر الآخر”، أو حتى الإخوة الأشقاء في العالم العربي الّذين قد يشتم المسؤولون أنظمتهم في سرّهم. وربما حتّى قد نقبل الهبات ولو أتت من بلدان أشد فقراً من وطننا. نحبّ فعل الخير إلى هذا الحدّ.
لبنان الرسمي يحب الهبات، ونحن إذ ما عدنا قادرين على أن نصمد بالوطنية فحسب، ولا عدنا نؤمن بتحصيل حقوقنا بطرق غير ملتوية، ولا عدنا نجد فرص عمل واستثمار خارج نطاق أهل السياسة، بتنا أيضاً نريد حصة من الهبات. لا يجوز أن تبقوا هكذا، أيها المسؤولون، متجمهرون حول قالب الحلوى المزخرف، تسكبون لأنفسكم قطعاً كبيرة، وترمون لنا الفتات. نحن، المواطنون المغبوبون، على دربكم سنمشي، نريد حصة، أو كفّوا عن بلادنا هذه المساعدات. فنحن، بشتى الأحوال، لا نستفيد منها.

السابق
السيستاني أسقط المالكي و«الدعوة» استجاب للفتوى
التالي
لماذا الإصرارعلى 12 ميل بحري؟