إيران … و«الأجنحة المتكسّرة»

للقوة حدود. مهما بلغت قوة الانسان، لا بد له إما التخلّي عن حمله الثقيل أو جزء منه، أو يكسر ظهره. الدول مثل الانسان، متى تجاوز الحمل قدراتها وقوتها، لا حلّ أمامها سوى التنازل عن ثقله أو الخسارة والهزيمة.

الجمهورية الاسلامية في إيران، تحمل «سلّة» من الملفات كل ملف منها، تنوء به دولة فكيف بها مجتمعة، وهي دون أولوية: الملف النووي، العراق، سوريا، لبنان، فلسطين، اليمن، أفغانستان والبحرين. يمكن أيضاً إضافة نشاطات محدودة أو واسعة في دول مثل السودان ودول افريقية وآسيوية إسلامية.

«ملفات» إيران هي اليوم «أجنحتها» التي تحاول أن تحلّق بها لتفرض نفسها قوة إقليمية لها كلمتها في شؤون العالم، وهي حسب التطورات ومن دون أولوية:

[الملف النووي المتداخل مع العقوبات الاقتصادية التي أتعبت إيران. لم يبقَ سوى أيام وتنتهي المفاوضات، من دون اتفاق نهائي، الذي «ما زال يتطلب مفاوضات شاقة وصعبة ومعقدة». «صنع التاريخ» كما يريد جواد ظريف وزير الخارجية، يحتاج إلى «قرارات سياسية صعبة». إيران في ورطة كبيرة. فك الحصار الاقتصادي عنها يتطلب تنازلات في ملفها النووي، ولا تبدو قادرة على تقديمها. لن تتوقف المفاوضات طوال الأشهر المقبلة. ستعاني إيران العقوبات الاقتصادية، وهي لا شك ستزداد تشدّداً. لن يتجاسر أي مصرف مثلاً على القفز فوق العقوبات بعد أن دفع B.N.B الفرنسي نحو تسعة مليارات دولار جزاء تعامله مداورة مع إيران.

ليس أمام القيادة الإيرانية سوى التراجع خطوات في الملف النووي لتتقدم خطوة إلى الأمام في رفع العقوبات الاقتصادية ولو جزئياً، أو الإصرار على موقفها وتعميق الأزمة الاقتصادية المفتوحة على كل الاحتمالات الشعبية.

[العراق، ليس أمام طهران من خيار ثالث. أما قبولها إبعاد المالكي وتحمل انفصال السّنة نهائياً عنها وتجذر عدائهم لها وتحمل خطر استقلال الأكراد. أو تواجه بالإصرار على بقاء المالكي والانزلاق في حرب أهلية ومذهبية شيعية ـ سنية. في الحالتين إيران خاسرة. وليس أمامها سوى تقدير حجم الخسائر التي يمكنها تحملها.

سوريا، تحولت إلى «مِبرَد» يستنزف أموالها وهي الغارقة في أزمة اقتصادية، بعد أن استنزف كل حضورها السياسي والإيديولوجي في المجتمع السنّي العربي.

الأسوأ من ذلك، أن الحرب في سوريا ودفع حزب الله للقتال تحت شعار مذهبي وتارة تحت شعار ممانع، أصاب مصداقيتها وحزب الله في «عقب أخيل«. يكفي تذكّر 14 تموز 2006 عندما كان المقاومون يواجهون الجيش الإسرائيلي في مارون الراس، واليوم في 14 تموز 2014 يسقط قتلى وجرحى للحزب في جرود القلمون، دفاعاً عن بشار الأسد.

إيران خاسرة إذا استمرت شريكاً في حرب الاستنزاف، خصوصاً وأن حليفها الروسي يفاوض الأميركيين على حل سياسي يكون فيه الشريك الأول بدلاً منها. وخاسرة إذا انسحبت أو دفعت حزب الله إلى الانسحاب.

اليمن التي لم ينجح أحد تاريخياً في وضع يده عليه. لا يمكن لإيران ولا غيرها حتى ولو نجحت في تجنيد «الحوثيين« وضمتهم إلى مشروعها إنجاز ذلك. اليمن أصعب من أفغانستان، عاجلاً أم آجلاً ستدرك إيران أن اللعب «بكرة النار» في اليمن، خسارة متراكمة.

فلسطين، حيث شعب غزة هو «الضحية». لا نقاش ولا جدال أن نتنياهو وليبرمان عنصريان، متطرفان وحاقدان. لكن الحروب ليست مجرد «ألعاب نارية«، حتى ولو كانت صاروخية. إيران تريد استعادة غزة لأن «حماس» محاصرة. الحروب بهذه الطريقة خاسرة، خصوصاً متى توقفت، وبدأ تعداد الخسائر واكتشف الغزّاويون أن المطلوب منهم الموت لتسجيل عائداتهم في أرصدة بعيدة عن قضيتهم مثل التفاهم مع الولايات المتحدة الأميركية.

أفغانستان. إيران اعتمدت على فوز مرشحها عبدالله عبدالله برئاسة الجمهورية. الآن، ليس لديها خيار ثالث في «حديقتها الخلفية». إما القبول بخسارة عبدالله والتحالف الطاجيكي الهزارة، أو الانزلاق نحو حرب أهلية بين البلوش و«الطالبان« من جهة، والطاجيك والهزارة من جهة أخرى، واحتمال تمددها إلى مقاطعة سيستان بلوشستان الإيرانية التي تكمن فيها كل الأسباب الموجبة لحرب أهلية.

لا يمكن للجمهورية الإسلامية في إيران أن تحلّق عالياً بـ»أجنحة متكسّرة»… حان الوقت للمراجعة أو التراجع…

السابق
’حزب الله’ سقط في فخ المغاور والتلال
التالي
إرجاء محاكمة موقوفي عبرا الى 26 آب المقبل