لبنان يصارع أزماته: صيف 2014 بلا رئيس ومياه وكهرباء وسياح.. ومليونا لاجئ سوري

كتبت “الشرق الأوسط” تقول: لم تأت تباشير الصيف اللبناني كما اشتهاها اللبنانيون الذين كانوا يأملون بصيف واعد في السياحة والأمن والاقتصاد. فموسم الاصطياف ضربته التفجيرات الأخيرة، والأزمات الحياتية تضرب البلاد بشكل غير مسبوق، مما أطاح كل الآمال المعقودة على الصيف الحالي الذي كانت تباشيره جيدة مع تأليف حكومة ائتلافية بين طرفي الأزمة، وإنجازات هذه الحكومة في ملف الأمن، وفي الملفات الإدارية.
ولم يكف اللبنانيين التفجيرات الأخيرة التي حصلت وأدت إلى إلغاء الحجوزات، حتى ضربتهم أزمة الكهرباء وانقطاعها القياسي، خلافا لوعود حكومية سابقة بتأمين التيار الكهربائي على مدار الساعة بدءا من العام المقبل، وتخفيض التقنين بشكل كبير بدءا من هذا الصيف. ثم أتتهم أزمة الجفاف التي كان الجميع يتوقعها بسبب الشتاء الدافئ جدا، لكن لم يجر التحضير لها، فأصبحت المياه “عزيزة” على اللبنانيين يشترونها من بائعين غير شرعيين، كعادتهم كل صيف، لكن الطلب الكبير جعل هذا الصيف مميزا إلى درجة رفعت أسعار المياه إلى درجة غير مسبوقة.
ويقول غندور، ناطور أحد الأبنية في بيروت، إن البائعين رفعوا الأسعار بنسبة كبيرة هذا العام، وإنهم قد يعمدون إلى رفعها أكثر في الفترة المقبلة بسبب شح المياه وكثرة الطلب. ويشير إلى أن صهريج الماء سعة 150 برميلا، أصبح ثمنه 200 ألف ليرة (133 دولار) بعد أن كان يبلغ العام الماضي في موسم الجفاف نحو 150 ألفا (100 دولار)، موضحا أن المبنى الذي يعمل فيه بات يستهلك ما قيمته 400 دولار شهريا.
ويقول رئيس مصلحة الزراعة في الجنوب المهندس حسن صولي، إن لبنان وحتى الأمس القريب كان يعد من أقل بلدان الشرق الأوسط فقرا بالمياه، فقد كان معدل مياهه السنوي يتجاوز بفعل تساقط الأمطار 800 مليون متر مكعب مما يساعد في الحفاظ على أكثر من 2000 ينبوع خلال موسم الجفاف الذي يمتد سبعة أشهر. إلا أن هذا المنسوب بدأ يتراجع بطريقة تطرح علامات استفهام حول مستقبل لبنان المائي. ومع تراجع نسبة هطول الأمطار المتلاحقة سنويا وتوزعها على مدار العام وصلت إلى حدود الخطر خلال السنتين الماضيتين والإنذار في هذا العام.
وأوضح أن كميات المياه الجوفية سجلت تراجعا بنسبة كبيرة بلغت ثلث الكمية التي كانت تخزن العام الماضي. وقال: “استنادا لدراسات علمية وخبراء في هذا المجال فإن عدد الأيام الممطرة قد تقلص من 90 إلى 80 يوما في السنة في منطقة المتوسط قبل 20 عاما وإلى 70 يوما في السنة في أيامنا هذه مقابل ارتفاع شدة هطول الأمطار من جهة أخرى”، مؤكدا أن “تراجع نسبة تساقط الثلوج سنويا وانخفاض كثافتها سيؤدي إلى تناقص في كمية المياه التي تتجمع بفعل ذوبانها”.
وأعلن أن “تناقص منسوب المياه بفعل قلة تساقط الأمطار والثلوج سيؤثر على الثروة المائية، وهذا وضع مخيف، ولبنان بدأ هذا العام يتأثر بالتغيير المناخي الذي سيترافق مع ارتفاع درجات الحرارة عاما بعد عام ويتبعه ارتفاع في نسبة تبخر المياه الجوفية والمتساقطة، وفي المقابل يتزايد الطلب على المياه بسبب شدة الحر، مما سيوصلنا إلى صحراء حقيقية قبل منتصف القرن الحالي، بحيث لن تنحصر التأثيرات بندرة المياه، بل ستمتد إلى الزراعة والأمن الغذائي وسيشهد لبنان ارتفاعا حادا بأسعار المياه والغذاء في آن، والفقراء هم أكثر المتضررين”.
وأكد صولي أن “القطاع الزراعي هو الأكثر تضررا من أزمة الجفاف، يليه الأمن الغذائي”، لافتا إلى أن بوادر الأزمة أخذت تظهر في الجنوب عبر تساقط حبوب الزيتون ويباس شتول الخضار قبل نضوجها. وقال: “منذ عشرين عاما، كان المزارع يستطيع الحصول على المياه من الآبار على عمق عشرة أمتار، أما اليوم فغالبا ما يصل عمق الآبار إلى 40 وكحد أقصى إلى 100 متر، وبالتالي فإن التراجع الكبير بنسبة المياه سيرتد سوءا على الكثير من القطاعات الإنتاجية الزراعية التي ترتكز على المياه الجوفية للري في مواسم الصيف”.
ويلعب وجود النازحين السوريين في لبنان كعامل ضغط إضافي على الموارد الطبيعية. وقالت اللجنة الدولية للصليب الأحمر إنه وعلى الرغم من أن إمدادات المياه هي في لبنان “وفيرة نسبيا”، فقد أصبح الآن من “الصعب جدا” حتى هنا الحفاظ على جودة الماء وتوفرها بعد عدة سنوات من انخفاض معدلات سقوط الأمطار وانتشار اللاجئين السوريين في كل أجزاء البلاد.
وينافس السوريون الذين تخطى عددهم الإجمالي بين لاجئين وعمال مقيمين، المليونين، أهالي البلد في مجمل المجالات مما دفع بنحو 170 ألفا منهم إلى ما دون خط الفقر، في بلد لا تستوعب بناه التحتية حتى عدد سكانه (أربعة ملايين نسمة)، وهي حاليا على وشك الانهيار مع ما يقارب ستة ملايين شخص.
ويرى مستشار شؤون التخطيط في وزارة الصحة اللبنانية بهيج عربيد، أن “لبنان ليس على أبواب انفجار، بل في قلب الانفجار”، لافتا إلى أن “الأمور خرجت من أيدي المعنيين والحكومة اللبنانية التي تشكلت على أساس أن تشرف على إجراء الانتخابات الرئاسية، فإذا بكل أزمات البلد المتراكمة تحل عليها دفعة واحدة وهي غير قادرة على التعاطي مع أي منها”.
وقال عربيد في تصريح لـ”الشرق الأوسط”، إن لبنان “يدفع حاليا ثمن ضعف نظامه السياسي وعدم قدرة الحكام فيه على الحسم، مما يؤدي لتفاقم الأزمات”، واصفا الوضع العام اللبناني بـ”الخيالي، وهو يعود إلى قدرة اللبنانيين على التحمل والتكيف مع الأزمات”، مؤكدا أنه لو حصل ما يحدث في لبنان في أي بلد آخر في العالم “لكان انهار كليا”.
وأوضح عربيد، أن “الخسائر التي تتكبدها البلاد نتيجة ملف اللجوء السوري لم تتكبدها دولة في العالم”، متسائلا: “هل تستطيع الولايات المتحدة الأميركية أن تستقبل 60 مليون إنسان خلال عامين أم فرنسا أن تستضيف 30 مليونا؟”، في إشارة إلى استضافة لبنان ما يوازي نصف عدد سكانه من اللاجئين السوريين في السنوات الثلاث الماضية.
وتوقعت مفوضية الأمم المتحدة العليا لشؤون اللاجئين في لبنان، أن يصل عدد اللاجئين السوريين في المنطقة بنهاية 2014 إلى 3.6 مليون مقابل 2.5 مليون مسجلين حاليا في لبنان وتركيا والأردن والعراق. وقدرت المفوضية إجمالي عدد اللاجئين السوريين في لبنان بحلول نهاية العام الحالي بـ1.5 مليون، أي ثلث عدد سكان لبنان، علما بأن بيانات الأمم المتحدة تفيد بتدفق 38 في المائة من اللاجئين السوريين على لبنان ليكون صاحب النصيب الأكبر من هؤلاء اللاجئين.
ويشكو عدد من البلديات في المناطق اللبنانية التي تؤوي نازحين سوريين من ضعف المساعدات المخصصة لتحسين البنى التحتية والخدمات، على ضوء الضغط الكبير الذي يرتبه الوجود السوري المتزايد. ويكرر رؤساء بلديات عدة مقولة أن البلديات، وهي عبارة عن مجالس محلية ينتخبها السكان لإدارة شؤونهم المحلية مرة كل ست سنوات، باتت بلديات لتسيير شؤون النازحين السوريين وتأمين احتياجاتهم الملحة، أكثر من الاهتمام بالسكان اللبنانيين.
ولم يكن الضغط الذي طال شبكة الكهرباء اللبنانية مفاجئا، باعتبار أنها تعاني أصلا وقبل وصول اللاجئين من مشكلات جمة، وأوضح وزير الخارجية اللبناني جبران باسيل، أن “لبنان يدفع شهريا لاستجرار الكهرباء من سوريا نحو 35 مليون دولار في حين أنه يقدم الكهرباء مجانا للاجئين بقيمة 100 مليون دولار”.
وأعلنت مؤسسة “كهرباء لبنان” أخيرا أنها ستعمد إلى تحديد القدرة الإنتاجية الموضوعة على شبكة الكهرباء بما يؤمن نحو 13 ساعة تغذية يوميا في جميع المناطق اللبنانية. وإذ أسفت إلى اضطرارها لاتخاذ الإجراءات، تمنت المؤسسة على المواطنين “تفهم ضرورة تحقيق التوازن بين توفير التغذية بالتيار الكهربائي والوضع الدقيق للمالية العامة”، مؤكدة أنها تسعى قدر الإمكان لتأمين الحد الأدنى من الاستقرار على الشبكة، كما أنها ستبذل كل جهد ممكن وضمن الإمكانيات المتاحة لتأمين التيار الكهربائي للمواطنين خلال شهر رمضان في فترتي الإفطار والسحور.

السابق
برّو فكّ اضرابه عن الطعام
التالي
الحوثيون بعد عمران يقتربون من صنعاء والأمم المتحدة تدعو إلى وقف للنار