هل تتجاوز الرابية حلم الرئاسة بالمثلث الحلم؟

ميشال عون و سعد الحريري

لا يقول أبناء الرابية جهاراً إن الإبراء المستحيل صُنِع ليصبح ممكناً أصلاً ولكن الأمور تبدو كذلك. ففي السياسة لا حتميّات حتى لو كان ما يُقال مكتوباً وموثقاً. حسابات العماد عون أبعد من رئاسة أولى وأبعد من قيادة جيش وأبعد من برلمان يفرز أكثرية جديدة. ربما علم البرتقاليون أن أيّ تفاهمٍ بينهم وبين خصومهم السياسيين لن يولد إلا بعد عنصر مفجّر، فعملوا على قاعدة “ما بعد العاصفة طقس جميل” ليبشّروا اليوم بإمكانية ولادة معادلة ثلاثيّة تحالفيّة جديدة إن لم يكن انتخاب عون رئيسًا أول مفاعيلها فالخير آتٍ لا محال.

لم يكسر عون الجرّة مع “المستقبل” رغم كلّ محاولات الاصطياد في مائهما العكر الذي بدأ يميل الى النقاوة. الرجل أذكى من أن يظهّر لقاءه بالحريري ومحادثاته المستجدة مع قريطم وانفتاحه على السعودية اللامحدود على أنها مجرّد أحداثٍ آنيةٍ تستولد علاقة مصلحيّة بحتة تنتهي مفاعيلها فور تطبيق كلّ بنودها بدءًا بحكومة المصلحة الوطنية مروراً بالرئاسة الأولى والتعيينات وصولاً الى تعيين قائد الجيش والانتخابات البرلمانية. فما حقيقة القطبة التي ما زالت تربط عون بالحريري رغم ما يوصّفه بعضهم بـ”خيبة” الرابية في الملف الرئاسي؟

حسابات أبعد من بعبدا
لم يكد خبر “ضرورة التروّي الى حين اختمار التسوية” يصل الى الرابية حتى بدأت المراهنات على ردّ فعل عوني عكسي تحت عنوان “الخيبة والخذلان”… هي ساعاتٌ قبل أن يخرج عون ليتحدّث في مقابلة تلفزيونية عن محاولات إنعاش تفاهمٍ ثلاثيٍّ سبق وطرحه منذ أشهر وها هو اليوم يجدد الدعوة اليه رغم استشعار إسقاط خياره رئيساً من الجانب السعودي أو أقله تعليق هذا الخيار الى حين انجلاء الأمور وتحديد بنود التقارب مع إيران وأثمانه المتبادلة. ربما يكفي عون أنه أوجد نوعاً من “الهمروجة” الرئاسيّة حول اسمه، ويكفيه طرحه مشروع رئيس في الدُور السعودية وفي كواليس “المستقبل” الذي لم يكن وزراؤه ونوابه يتوقعون يومًا أنهم سيطرحون اسم العماد اللدود لموقع قصر بعبدا. ربما ما زال الرجل يعوّل على انتعاش حظوظه رئيسًا في مرحلة الشغور بعد إرساء نوعٍ من دفتر اتفاق بين المملكة وإيران والولايات المتحدة. وربما لا يريد الجنرال فعلاً فرملة حساباته عند مفترق قصر بعبدا، فيعمل على تجاوز الحلم الرئاسي للتأسيس لمرحلةٍ جديدة.

الحكاية لم تنتهِ بعد
لم تنتهِ حكاية الرئاسة بهذه البساطة بالنسبة الى أبناء التيار. ما زال الحديثُ عن تسويةٍ يدغدغ نفوسهم، يرسم لهم مشهديةً احتفاليّة تبدأ باليرزة وتنتقل الى بعبدا. بعضهم خائب، وبعضهم يبدي براغماتيّة أعلى بتعويله على مفاجأة ما. وعلمت “صدى البلد” أن “أجواء التفاؤل بإمكانية وصول عون الى الرئاسة لم تضمحلّ في الرابية وفي دوائرها الضيّقة واجتماعاتها وعشاءاتها الدورية، بل ما زالت القاعدة المؤيّدة تنتهج سياسة التروّي التي طُلِبت منها منذ أيام معوّلةً على عبارةٍ بدت شبه محسومة قبل توجّه سمير جعجع الى باريس: “الاسم ما زال مطروحاً لكن ليس في جلسة قريبة”. كما أن البرتقاليين، قيادة وجمهوراً، ما زالوا مقتنعين بأن الأهداف التي من أجلها يريدون الوصول الى الرئاسة الأولى والتي تتجاوز الموقع في عينه تستحقّ بعض الانتظار الى حين نضوج التسوية المزعومة، خصوصًا أن التفاهم مع المستقبل لم يعد تفاهمًا حلمًا أو من نسج الخيال، بل هو تفاهمٌ جديٌّ وموجود وأنجز حتى الساعة على مستوى الوطن والمؤسسات حكومة جامعة متجانسة تؤمن هذا التمثيل الكبير لجميع الأطراف وتطبق خططًا أمنية كانت أشبه بمناطق محظورة على الجيش وتنجز تعيينات عالقة بسلاسة تامة. لذا فإن هذا التفاهم قادرٌ على إنجاز المزيد والمزيد، ويكفي أن يكون الحريري فكّر في عون رئيساً توافقياً لتتضح قوّة مفاعيل هذا التقارب”.

لا خيبة في الرابية
قلةٌ تفهم ما يدور في رأس الجنرال هذه الأيام، وقلة تمسك بمفاتيح الأبواب التي فتحها مع السعودية و”المستقبل” فجأة بلا إذنٍ أو دستور. ولكن لمَ لم يتسلّل من الرابية امتعاضٌ واحد حتى من حقيقة رفع أسهمها الرئاسيّة ثمّ خفضها بين ليلةٍ وضحاها؟ يؤكد أمين سرّ تكتل التغيير والإصلاح ابراهيم كنعان لـ”صدى البلد” أن “التيار لا يشعر بالخيبة أو الخذلان، فالحوار الذي أرسيناه مع تيار المستقبل يشمل المرحلة المقبلة بكلّ تفاصيلها، ويشكل في نظرنا إحدى البوابات الرئيسية للولوج الى مرحلة الحلّ كونه يفتح باب النظام السياسي والمؤسسات على مصراعيه. وإذا كان هناك تفاهم مسبق بين المكوّنات الرئيسّة على هذه المرحلة وتمّ تجسيد هذا التفاهم في خريطة طريق فستكون هناك فرصة ذهبيّة للبنان”. إذاً هو أبعد من حسابات الرئاسة الأولى؟ يجيب كنعان: “حساباتنا للرئاسة أصلاً أبعد من الرئاسة. فنحن لا نفكر في الرئاسة كرئاسة بل باعتبارها مدخلاً لتحصين الاستقرار من خلال الخطة الأمنية وحكومة المصلحة والتعيينات الإدارية وقانون الانتخاب وقيادة الجيش لاحقاً. ولكن نستغرب طرح فكرة المثالثة التي لا أساس لها ولا علاقة لها بالدستور، بل تأتي في إطار ديماغوجي معروف الأهداف. كما أن إلغاء الآخر في إطار التفاهم غير مطروح إذ ليس كلّ فريقين سجّلا تقارباً أو تفاهمًا على مسار سياسي أو وطني يعني أنهما ذاهبان حتمًا الى التحالف علمًا أن التحالف مشروع، ولكن الهدف الجوهري هو إخراج لبنان من الحلقة المفرغة التي يدور فيها في ظلّ تجاذباتٍ إقليمية ودولية كبيرة. وعندما نتحدّث عن تفاهمٍ ثلاثي لا يعني ذلك أننا نستبعد الآخرين، بل إن أبواب التفاهم مفتوحة للجميع ناهيك عن أن الأركان الثلاثة الذين تحدّث عنهم عون في مثلث القوة (التيار الوطني، حزب الله والمستقبل) يمثلون الآخرين”.

التفاهم ليس ظرفياً…
يتسلّح أبناء التيار الوطني بأكثر من ذريعةٍ وجوابٍ في وجه محاولات تظهير تفاهمهم مع “المستقبل” على أنه “غيمة عابرة” أو تقاربٌ ظرفيّ مصلحي: “لا يمكن أن تُجلِس السيد حسن نصرالله والرئيس سعد الحريري الى طاولة واحدة ليتحدثا في الآنيات وهذا دليل على أن ما نفعله ليس ظرفياً” يقول هؤلاء، بما يشي بأن ما تخطط له الرابية لا يصبّ في ترجماته العملية في خانة التحالفات الضيّقة أو إنتاج سلطة على مستوى تحالف، بل أكبر من ذلك بكثير. إنه مثلّث القوة الذي قد يبصر النور بعضّ العونيين على بعض الجراح ومنها الجرح الرئاسي فداء مرحلةٍ جديدة تتجاوز قصر بعبدا الى حيث لا إبراء ولا افتراء، بل عون وحزب الله والحريري فحسب.

السابق
رئيس الجمهورية: لمراجعة الاتفاقات المعقودة بين لبنان وسوريا
التالي
نصب شهداء المقاومة في بليدا