ميشال سليمان رئيس الجمهورية

في الأوّل من أيّار عام 2008 كانت البلاد تعيش شغوراً في موقع رئاسة الجمهورية وتتأرجح تحت وطأة اهتزازات أمنيّة ليلية ومتنقلة في بيروت والمناطق، وتتجاذبها الأخبار المتناقضة حول وجود اتّفاق خارجي على إيصال قائد الجيش العماد ميشال سليمان آنذاك إلى قصر بعبدا، اتّفاق لم ينضج داخليّاً حتى ذلك التاريخ.
في صبيحة ذلك النهار، وفيما كان سليمان في مكتبه يلتقي أحدَ الزملاء الصحافيّين، تلقّى اتصالاً عاجلاً، وكان على الخطّ المسؤول القطري جبر بن يوسف مستشار رئيس الوزراء ووزير الخارجية السابق حمد بن جاسم الذي أبلغَ إليه أنّه موجود في بيروت ويريد لقاءَه فوراً.

وخلال اللقاء بينهما أبلغَ إليه بن يوسف أنّ القرار قد اتُّخذ بانتخابه رئيساً للجمهورية قبل نهاية الشهر، وذلك بناءً على المشاورات الجارية في الكواليس الدولية، لكنْ هنالك أحداث أمنية ستحصل خلال أيام والمطلوب منه بصفته قائداً للجيش الوقوف على الحياد. وكانت مقرّرات مجلس الوزراء الشهيرة في 5 أيار وما تلاها من أحداث عُرفت بـ7 أيّار ومن ثمّ “اتفاق الدوحة” ووصول سليمان.

وبخلاف ما يعتقد كثيرون، فإنّ الخيار كان قد وقع على سليمان قبل حصول الشغور بفترة لا بأس بها. فالنزاع الاقليمي العنيف الذي كان محصوراً بالساحة اللبنانية أنتج توازناً هشّاً كان من الصعب الحفاظ عليه من دون المساعدة السورية.

وبات معلوماً أنّ دمشق كانت تميل بوضوح الى خيار سليمان. وبخلاف ما راج من أنّ معركة مخيّم نهر البارد هي التي فتحَت طريق الرئاسة أمام سليمان، إلّا أنّ “القطبة المخفية” تبقى في نهاية هذه المعركة والتي شهدَت لغز “اختفاء” شاكر العبسي مصحوباً برضى سوريّ كامل على سلوك قائد الجيش وحتى اليوم لم يحصل تحقيق كامل حول ظروف “فرار” العبسي.

بعد 25 أيّار، سيُفتَح الباب واسعاً أمام تقويم عهد سليمان ما بين النقد والثناء، ما بين الهجاء والمدح، خصوصاً أنّ الرجل أعلنَ أنّه سينصرف للعمل السياسي، بعدما بدا أنّ حظوظه للوصول إلى رئاسة الفرنكوفونية انعدمَت بسبب انتشار فضيحة جوازات السفر الفرنسية المزوّرة على صفحات وسائل الإعلام.

على رغم ذلك، قد لا نجد كثيراً لإخضاعه لنقاش تقويمي، ذلك أنّ بصمات سليمان تكاد تكون غير موجودة في الأعوام الستة الحافلة بالأحداث والمنعطفات الكبرى. ولهذا السبب بالذات قيل إنّ الإدارة الأميركية لم تكن متحمّسة لخيار التمديد الذي سعى إليه بقوّة خلف الستارة.

في كلّ الحالات، فإنّ سليمان نفسه لا يجد سوى “إعلان بعبدا” إنجازاً ينسبه إلى عهده، فيما الحقيقة تقضي الإقرار بأنّ هذا الإعلان بقي حبراً على ورق، ما ينزع عنه صفة الإنجاز، إضافةً إلى أنّه جاء متأخّراً جدّاً بعد الكلام الكثير الذي راج عن تشريع الحدود اللبنانية أمام شتّى أنواع التدخّلات في الحرب الدائرة في سوريا بمشاركة أجهزة لبنانية رسمية.

أضِف إلى ذلك إهمال ملف النازحين السوريين بسبب الرهانات المختلفة على مسار الحرب السورية. ولم تعطِ الاستفاقة المتأخّرة أيّ نتيجة، ليستفيق لبنان في نهاية العهد على مليون ونصف مليون نازح سوري سيشكّلون كارثة داخلية أكبر من كارثة اللاجئين الفلسطينيين في ستّينات القرن الماضي وسبعيناته.

قيل يومَ انتخاب سليمان إنّ الدول الغربية تُراهن على دور حازم لرئاسة الجمهورية لتأمين الاستقرار الداخلي من خلال وصول قائد الجيش الذي من المفترض ان يكون قادراً على أخذ حَيّزٍ واسع من مساحة القرار.

ولكن على عكس ذلك، فإنّ سليمان الذي بدأ عهده بخطاب القسَم الذي يجمع بين ما يناديه هذا الفريق وذاك ومن دون وجود رؤية سياسية حقيقية، شجّعَ بنحو غير مباشر على استمرار النزاع بين فريقي “8 و14 آذار” كسبيلٍ ليجدَ لنفسِه مكاناً على الرقعة السياسية الداخلية. من هنا حاولَ النفاذ في الانتخابات النيابية من خلال مرشّحين أطلقَ عليهم صفة “الوسطيّين”.

وردَّد أن لا أحد قادرٌ على منعه من أخذِ مقاعد نيابية لمحسوبين عليه، أحدها في جبيل واثنان في كسروان وثلاثة ما بين المتنين الشمالي والجنوبي. لكنّ ذلك لم يحصل، وتراجع في اللحظة الاخيرة، وهو ما حصل مراراً في محطات عدّة مثل تأليف الحكومات، وعلى رغم الانتقادات التي لاحقت انتقاء بعض وزرائه استمرّت المآخذ نفسها حتى الحكومة الحاليّة.

وعندما باشرَ تحضير خطة التمديد الرئاسي منذ إقرار التمديد لمجلس النوّاب، كان حريصاً على وجوب الوصول الى هذا الواقع مرفقاً بمواقف علنية رافضة له، أي أن يربح الدنيا والآخرة معاً. فكان أن خسرَهما.

وعلى عكس الانطباع المتسرّع الذي كوّنه بعد لقائه الشهير بالسفير جيفري فيلتمان في نيويورك، إلّا أنّ المآخذ الاميركية الكثيرة كانت تقف حائلاً أمام تبنّي خيار التمديد، وهو ما اكتشفه لاحقاً في مؤتمر “دعم لبنان” الذي عُقد في باريس وكان فاشلاً لجهة نتائجه المتواضعة.

وقيل إنّ الأوساط الديبلوماسية تندّرت بالبلد الذي يرزح تحت أعباء اقتصادية مرهقة، فيما الرحلات الرئاسية كثيرة مع وفود طنّانة، وحيث كانت كلّ رحلة تلحظ على “المانيفست” خانة لمجموعة تحت عنوان “ضيوف الرئيس”.

يغادر سليمان قصر بعبدا السبت المقبل “فرحاً” إلى عمشيت، ليخوض غمار العمل السياسي حسب ما قال، لكنّه ينهي عهده على نقيض ما كان دعا إليه في بدايته. فما إن تسَلّم مقاليد السلطة أرسلَ إلى سَلفه الرئيس إميل لحّود طالباً سحب الفائض من الجنود الذي يسمح القانون بإبقائهم معه والبالغ عددهم 12 عنصراً، “لأنّه يجب على الجميع احترام القوانين” وفقما ردَّد يومها. أمّا هو فيترك القصر ومعه 75 عنصراً فصَلهم لأماكن إقامته في اليزرة وعمشيت.

تماماً مثلما فعلَ مع الشاب الذي تناوله على صفحات “الفايسبوك”، فأحاله إلى القضاء وأودعه السجن، فيما رُسِمت علامات الاستفهام حول عدم قيامه بأيّ ردود فعل على ما أورده الزميل جو معلوف عبر شاشة الـL.B.C حول مصدر الثروة لنَجلِه شربل، إذ لم يقدّم شكوى ولا حتى توضيحاً حول الاتّهامات الخطيرة التي وُجِّهت إليه في الحلقة.

أيّاً يكن، فإنّ لبنان يطوي صفحة من تاريخه ليتسلَّل الشغور إلى أروقة قصر بعبدا، وهو الواقع الذي تنبّأ به كثيرون منذ مدّة، بعدما بدا الاستحقاق الرئاسي متروكاً بلا رعاية جدّية.

السابق
ماذا بين ليندسي لوهان ومي حريري؟
التالي
بري لا يحدد موعدا جديدا للجلسة الانتخابية