طرابلس: دماء رشيد كرامي تواجه ترشيح جعجع

على أعتاب الذكرى السابعة والعشرين لاغتيال الرئيس الشهيد رشيد كرامي في الأول من حزيران، تقف دماء الرشيد في العاصمة الثانية طرابلس لأول مرة وبشكل فعلي في وجه المحكوم بقتله رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع، لتضع العصي في دواليب قطار ترشيحه الى رئاسة الجمهورية.

بالأمس انتفض رشيد كرامي على قاتله وحرّك المياه الراكدة في البركة السياسية في المدينة التي بدت في حالة اعتراض شعبية عفوية عارمة ومختلفة سياسيا تجاه ترشيح من أدانته أعلى سلطة قضائية في لبنان باغتيال زعيم مدينتهم وهو في سدة الحكم، الى رئاسة الجمهورية.
وقد أعطى هذا الاعتراض مؤشرات سياسية عدة من بين أبرزها أن طرابلس لا تزال تتمسك برموزها وبأصالتها. وأن طرابلس تتجه نحو استقلالية سياسية جديدة وأن ما فُرض عليها في انتخابات العام 2005 تحت تأثير الشحن المذهبي والتحريض السياسي وأدى الى التصويت لمرشح «القوات اللبنانية» أنطوان زهرا لم يعد ممكنا اليوم، وقد ترجم ذلك قبل أشهر بطرد زهرا من الاعتصام أمام مكتبة السائح، ويتجسد اليوم بالاعتراض الكبير على ترشيح جعجع للرئاسة، وانتقاد كل من يدعم هذا الترشيح، وفي مقدمتهم تيار «المستقبل».
وقد أثبتت التجارب السابقة أن «التيار الأزرق» يتعاطى مع طرابلس وفق ما تقتضي مصالحه السياسية فقط، فبعد أن نقل كل أنواع التوترات الأمنية إليها لمحاربة حكومة نجيب ميقاتي، ها هو يضرب ذاكرة وكرامة الطرابلسيين عرض الحائط، ويدعم ترشيح قاتل الشهيد رشيد كرامي.
ولعل ما تشهده مواقع التواصل الاجتماعي من هجمة على تيار «المستقبل» بناء على هذا الترشيح، يشير الى حالة الغضب التي تنتاب أبناء طرابلس الذين آثروا عدم النزول الى الشارع مع المعترضين، وعبروا عن آرائهم على صفحاتهم الخاصة والتي شهدت كمّاً من الانتقادات والتعليقات التي تدعو الرئيس سعد الحريري وتياره الى احترام خصوصية طرابلس وزعاماتها ودماء شهدائها.
وبدا واضحا أن الاعتراض الشعبي الطرابلسي على ترشيح جعجع، جاء متناغما مع مواقف أكثرية نوابها السنّة الذين تشير المعلومات الخاصة بـ«السفير» الى أن أربعة منهم لن يصوّتوا لجعجع وهم: الرئيس نجيب ميقاتي، والنواب: محمد الصفدي، محمد كبارة وأحمد كرامي، في حين أكد النائب سمير الجسر أنه ملتزم بقرار كتلته بالتصويت لجعجع.
وفي هذا الإطار قال الرئيس ميقاتي لـ«السفير»: «نتطلع الى انتخاب رئيس يطوي الصفحة السوداء من تاريخ لبنان وينتقل بنا الى مستقبل مشرق وآمن، ولا نريد من خلال الانتخابات فتح دفاتر قديمة، وإثارة حساسيات ونعرات نحن بغنى عنها».
في حين أكد النائب كرامي أنه لن يصوت لجعجع لسببين: الأول أنه ابن عم الرئيس الشهيد رشيد كرامي، والثاني احتراما لمشاعر أبناء طرابلس.
وكان ميقاتي وكرامي عقدا اجتماعا في منزل الأخير وأصدرا بيانا أكدا فيه أن «انتخابات رئاسة الجمهورية التي تجري دورتها الاولى اليوم، فرصة لممارسة واجبنا الدستوري وتعزيز مسار الديموقراطية في لبنان وتحقيق التوازن المطلوب بين السلطات اللبنانية، ولا سيما أن موقع رئاسة الجمهورية يمثل رمزية أساسية للبنان والحضور المسيحي فيه».
أضاف البيان: «من هذا المنطلق، فإننا سنقوم بواجبنا الدستوري، مشددين على ضرورة انتخاب رئيس للجمهورية يحقق الوفاق المطلوب في هذه المرحلة الخطيرة من تاريخ لبنان، آخذين في الاعتبار خصوصية الواقع في مدينة طرابلس ومشاعر الطرابلسيين».
أما النائب محمد الصفدي، فرجحت المعلومات أن يلجأ الى الورقة البيضاء.
وفي ما خص النائب محمد كبارة فتشير المعلومات لـ«السفير» الى أنه أبلغ كتلة «المستقبل» أن خصوصيته الطرابلسية تمنعه من التصويت لجعجع، وهو بالأساس لم يصوت على قرار العفو عنه في العام 2005. وأكد مقربون من كبارة أنه «ملتزم مع الرئيس سعد الحريري وكتلة المستقبل سياسيا، ويهمه وحدة قرار 14 آذار، لكنه في الوقت نفسه يحترم خصوصية ومشاعر الطرابلسيين».
أما على صعيد سائر النواب، فأكد النائب بدر ونوس التزامه بقرار كتلة «المستقبل»، لافتا الانتباه الى أن «ثمة خصوصية طرابلسية سيبحثها قبل جلسة الانتخاب مع نواب المدينة»، مؤكدا أن «من قتل الرئيس الشهيد رفيق الحريري وسائر الشهداء، ليس أشرف ممن تم اتهامه بقتل الرئيس الشهيد رشيد كرامي».
في حين أكد النائب روبير فاضل التزامه بقرار قوى «14 آذار»، والنائب سامر سعادة البعيد عن نسيج طرابلس بموقف حزب «الكتائب».

اعتراض شعبي

في غضون ذلك، غزت شوارع طرابلس العشرات من اللافتات ضد ترشيح سمير جعجع وكل من يدعم هذا الترشيح، وتضمنت عبارات واتهامات سياسية قاسية بحقه، لكن المفارقة في طرابلس أن الشرطة البلدية التي تغاضت على مدار سنوات عن كل المخالفات والصور واللافتات المرفوعة في مختلف أرجاء المدينة، حاولت أمس، إزالة هذه اللافتات المتعلقة بجعجع بحجة أنها غير مرخصة، الأمر الذي كاد أن يؤدي الى اشتباك بين عناصرها وبعض المتحمسين من أنصار الرئيس عمر كرامي الذين رفضوا إزالتها، ما أدى الى تراجع الشرطة، وقد ترك ذلك سلسلة تساؤلات حول هذا الاجراء ودوافعه وغاياته ومن يقف وراءه.
وعصرا تجمع حشد شعبي من أنصار الرئيس كرامي والوزير السابق فيصل كرامي في ساحة عبد الحميد كرامي ورددوا شعارات تهاجم جعجع وتطالب نواب طرابلس، والنواب السنّة على وجه التحديد، وكل النواب اللبنانيين بعدم التصويت له باعتباره «قاتل خرج من السجن بعفو خاص عبر قانون من مجلس النواب وهذا العفو لم ولن يعطيه البراءة من جريمته».
ثم انطلق المشاركون في مسيرة من الساحة الى ضريح الشهيد كرامي حيث تليت سورة الفاتحة عن روحه.

سلطان

من جهته عقد توفيق سلطان مؤتمرا صحافياً في منزله في الميناء رأى فيه أن «الشخصية البارزة المؤهلة لمركز رئيس الجمهورية، تاريخها وأداؤها وتراكم مواقفها تغنيها عن إعلان برنامجها، خاصة أن رؤساء سابقين أعلنوا برامج ووقّعوا مواثيق سرعان ما نقضوها بعد وصولهم».
وقال: «إن طرابلس تشعر بغصّة وألم من الظلم الفاضح والإهمال المتمادي والاستخفاف بحقوقها، حتى وصل الأمر إلى الاستخفاف بكرامتها والاستلشاق بدم شهيدها الرئيس رشيد كرامي وهو في كنف الدولة وحمايتها، وهذا الأمر لن يمر على الطرابلسي الشريف».
وقال: «الرئيس رشيد كرامي لم يستشهد نتيجة قصف عشوائي، بل نتيجة مؤامرة منظمة سبقتها إعلانات موثقة تطلب الموت له ورفعوا يافطات موقعة تقول (الموت لرشيد كرامي) ولقد خضع القاتل للمحاكمة أمام أعلى هيئة قضائية في لبنان والتي تتمثل بالمجلس العدلي، وإذا كان القانون لا يمنع المحكوم من ترشيح نفسه لمركز رئيس الجمهورية، فالقانون أيضا لا يمنع أي مواطن من الاعتراض على انتخابه، ومن هنا وجدت من واجبي احتراما لمدينتي التي استشهد زعيمها وهمّشت سياسيا وإنمائيا، أن أقف اليوم لأقول لممثلي طرابلس في المجلس النيابي: حافظوا على كرامة مدينتكم».
وختم: «من حق سمير جعجع أن يترشح إلى الانتخابات، وبالمقابل من حقنا ومن حق أبناء طرابلس ومن ضمن حرية الرأي والعمل الديموقراطي أن نقول أن ذلك يمس بشعورنا وبكرامتنا، فالرئيس رشيد كرامي هو قيمة دخلت التاريخ وحكم لبنان لفترة مع الرئيس فؤاد شهاب وشارك في تحقيق كل هذه الإنجازات التي تحققت آنذاك، ورشيد كرامي لم يؤذ أحدا ولم يكن عنيفا ولم يقاتل، بل كان يتنقل بطوافة تابعة للجيش ومع الأسف الشديد قتلوه وهو بكنف الدولة».

السابق
السفير: كتلة الوفاء للمقاومة ستصوت بورقة بيضاء
التالي
’الثأر الإباحي’… وسيلة الرجال الإنتقاميّة