لاءات أوباما و ‘سياسة الانزلاق’ في سورية

هناك «سياسة أميركية» تجاه سورية في الوقت الراهن، أقنعت «وكالة الاستخبارات الأميركية» (سي آي أي) ووزارة الدفاع (بنتاغون) الرئيس باراك أوباما بهذه السياسة. وهذا الموقف لا يحظى بتأييد وزير الخارجية جون كيري ومستشارة الأمن القومي سوزان رايس والسفيرة الأميركية في نيويورك سامنتا باور، الذين يدفعون باتجاه «سياسة» أخرى.
تحمّست الإدارة الأميركية، ولو متأخرة، لـ«الربيع العربي» في 2011، وكانت تعتقد بسقوط النظام السوري خلال أسابيع أو أشهر بعد انطلاق انتفاضة سلمية من الحراك الشعبي في درعا. وبنت سياستها على أساس الأجل القصير. غير أن ما حصل في ليبيا ومصر وتطورات الصراع السوري باتجاه عسكرة الثورة رداً على القمع والقتل العشوائيين من قوات النظام واستجرار «حرب الوكالة» إلى المسرح السوري، غيّرت في أولويات واشنطن.
تقوم السياسة الواقعية حالياً، على «حرب استنزاف» للنظام السوري والتخلص من الترسانة الكيماوية وإنهاك الجيش النظامي من دون انهياره وإضعاف قدراته الاستراتيجية من دون وقوعها في «الأيدي الغلط». أيضاً، استنزاف لحلفاء النظام في الأراضي السورية. واستنزاف «حزب الله» فيها وإدخاله في مواجهة طويلة مع «جبهة النصرة»، لإضعاف محور إيران- حكومة نوري المالكي- النظام السوري- «حزب الله»، إضافة إلى استنزاف روسيا في الشرق الأوسط كما استنزف الاتحاد السوفياتي في آسيا عبر البوابة الأفغانية.
ولا يرى مؤيدو هذه «السياسة» غضاضة في استمرار الحرب كأمر واقع لخمس أو عشر سنوات، وتحويل جزء من سورية «مقبرة للجهاديين»، طالما أن الصراع بقي محتوى داخل الأراضي السورية ولم يفض إلى الجانب العسكري والفوضى من الصراع إلى الجوار وحلفاء واشنطن خصوصاً إلى إسرائيل، مع رصد برامج للتعامل مع منعكسات هذه السياسة المتعلقة بالمساعدات الإنسانية واللاجئين. ولا غضض في أن يلد من رحم هذه الصورة «هلال نظامي» يمتد من دمشق إلى حمص والساحل و «جزر معارضة» في شمال البلاد وشمالها الشرقي و «شريط آمن» في الجنوب.
في المقابل، يرى مسؤولون آخرون، خصوصاً كيري ورايس، في إدارة أوباما، أن هذه السياسة قصيرة الرؤية، فهي «مفيدة» للمصالح الأميركية في المدى القصير، لكنها «خطرة» في المدى الطويل، لأنها ستزيد من التهديدات الإرهابية المحتملة المتأتية من مستنقع الشمال الجهادي وستهدد الأمن القومي الأميركي والأوروبي. وهم يعتقدون بأن هذه السياسة ستزيد من نفوذ إيران في الشرق الأوسط إذا ما أحكمت يدها على «جبهة الجولان» كما فعلت في جنوب لبنان وغزة، ما يعزز موقفها التفاوضي مع الغرب. كما يحاججون أن إدارة أوباما أضعفت هيبة أميركا في المنطقة مقابل ارتقاء الهيبة الروسية. وأن تردد أوباما طرح شكوكاً لدى حلفاء واشنطن في العالم حول مدى قدرة الاعتماد على الدعم الأميركي.
لذلك، هم يحذرون من «نتائج كارثية» على «لا سياسة» أوباما السورية، ويدفعون باتجاه تغيير في عناصرها وإيقاعها لأسباب تخص مصالح أميركا في المنطقة وهيبتها في العالم، تحت ضغط من حلفاء واشنطن في المنطقة والجمهوريين في واشنطن.
ويجري الحديث حالياً عن «تغيير ميزان القوى على الأرض» عبر دعم إضافي لمقاتلي المعارضة لـ «تغيير حسابات النظام وحلفائه» بهدف العمل على «تسريع» الحل السياسي عبر مفاوضات جنيف وتشكيل هيئة حكم انتقالية، تكون قادرة على الحفاظ على ما تبقى من مؤسسات الدولة التنفيذية ومؤسسات النظام وخصوصاً الأمن والجيش وعلى محاربة الإرهاب. ولجأ المدافعون عن التشدد في «السياسة السورية» بعد فشل جولتي مفاوضات جنيف وفشل جميع محاولات انخراط الروس في مفاوضات أميركية- روسية لتشكيل هيئة حكم انتقالية أو مجلس رئاسي يشرف على انتقال البلد من عصر إلى آخر.
بحسب مطلعين، فإن أوباما أبدى «انفتاحاً» في الفترة الأخيرة لتقديم دعم إضافي للمعارضة المسلحة، لكنه لا يزال أسيراً لـ «كابوسين»: الأول، فشل تجربتي التدخل العسكري المباشر في العراق وأفغانستان و «القيادة من خلف» في ليبيا. الثاني، هجمات 11 أيلول (سبتمبر) 2011 واحتمال استخدام السلاح الأميركي بهجمات على مصالح أميركا أو حلفائها.
أبدى أوباما انفتاحاً لتقديم بعض الدعم للمعارضة العسكرية مثل مضادات دروع أميركية لمقاتلين في شمال سورية لـ «اختبار» هذه المعارضة وعدم وقوع هذه الأسلحة في «الأيدي الخطأ» ومدى تأثير هذا السلاح الذي استعمل في معارك استعادة السيطرة على بابولين قرب معسكري وادي الضيف والحامدية في معرة النعمان في ريف إدلب في شمال غربي البلاد.
في هذا السياق، فإن كلمة «Incremental» هي الأكثر تردداً في أوساط المؤسسات الرسمية الأميركية ومراكز الأبحاث في واشنطن، وهي أن أوباما وافق على «دعم إضافي» للمعارضة، لكنه لا يزال في الوقت نفسه حذراً من «السياسة الانزلاقية» التي يمكن أن تجد واشنطن نفسها في خضمها. إذ إنه لا يريد أن يتمسك بـ «لاءاته» واتخاذ خطوات عسكرية تدفعه لأن يجد نفسه في الخيار الذي لا يريده: التدخل العسكري المباشر واسع النطاق.
ضمن هذا السياق، عاد خبراء أميركيون مؤيدون للتدخل الأميركي، إلى مقارنة أوباما بالرئيس الأسبق بيل كلينتون، الذي مانع التدخل في البلقان مرات عدة إلى أن لم يجد بداً من ذلك. لكن في الوقت نفسه، يشيرون إلى أن الغرب «تعايش» مع صور القتل سنوات في قلب أوروبا ضمن خريطة دولية فيها تراجع للنفوذ الروسي بعد ارتباك سقوط الاتحاد السوفياتي، إلى أن حصلت مجزرة سيربنيشتا فدفعت أميركا إلى التدخل.

السابق
مصادر لـ الأنباء: الاستحقاق الرئاسي إلى شهر ايلول القادم
التالي
’14 آذار’ يتجه لتبني ترشيح جعجع للرئاسة اللبنانية