بهذا المعنى هو حزب لا يحدّه حدّ عندما يتّصل الأمر بسلاحه وكيف يستخدمه وأين، لكن محدوديته تبرز حالما يتعلّق الأمر بموقعه من الإعراب ضمن النظام السياسي، فضلاً عمّا يطرحه من دعوات «تأسيسية» مبهمة لنظام بديل قد يندفع البعض اكثر من اللازم للتخوف من وجود خطّة له، ونموذج مخفي، في حين أنّ هذه الدعوات تعبّر عن نقمة وتشوّش ومناكفة أكثر من أي شيء آخر. فهذا الحزب قد يجد مصلحته في سد شرايين النظام السياسي اللبناني أو تعطيل مؤسساته، لكنه سرعان ما يعود فيصطدم بالجانب المحافظ، وغير الثوري، من شخصيته الحزبية والأهلية، تلك التي تجد مصلحة في أن «يعشش» في النظام القائم ويعطي الأولوية لـ»التسلبط» المركّز على «التسلّط» المركزيّ.
أكثر من مرة سمعنا من قادة هذا الحزب ان (في «أوروبا والدول المتقدمة» على رأي فيلم لعادل امام) المقاومة تستلم السلطة بعد التحرير. لكن ما حصل أنّ ثلاثة استحقاقات انتخابية تشريعية متتالية لم تحقق لـ»المقاومة» عندنا هذا المراد، وحتى بعد أن تبدّلت، قسرياً أو غير قسري، التوازنات البرلمانية قبل ثلاث سنوات لم يستطع الحزب الاحتفاظ بالحكومة، خاصته، ووجد نفسه يدفعها، بنفسه، للاستقالة، يوم كان قراره بالتورّط النوعي في الحرب السوريّة.
اليوم الحزب في حكومة «ربط نزاع» مع أخصامه، لكن تهديفه انتقل الى رئاسة الجمهورية. رئاسة الحكومة لم يستطع الحفاظ عليها مطوّلاً. اليوم يواصل حملته على رئيس الجمهورية في آخر عهده. والأدهى أنّ الحزب يطلق العنان للنوستالجيا المقاوماتية الممانعاتية: عهد اميل لحّود.
من لم يستطع الاحتفاظ بحكومة نجيب ميقاتي بل فرطها بنفسه، له أن «يتدلّع» عشية الاستحقاق الرئاسي، لكنه لن يلبث أن يعي أنّه حزب من طبيعتين في وقت واحد: سلاح حيوي يحتاج دائماً الى معارك لتشغيل عجلة عدوانيته، وجسم سياسي لا هو الحزب البلشفي ولا الحزب النازي كي يكون بمستطاعه فرض نظام سياسي جديد على صورته ومثاله. اميل لحود؟ هذه تستلزم عودة الجيش الأسدي الى لبنان. لأجل ذلك على الحزب أن يقلّل من غلوائه ضد الرئيس ميشال سليمان: لأن أيّ خطاب قسم رئاسي جديد لا يمكن ألا يأخذ بالحسبان أن «المقاومة» هي العنوان المركزي لانقسام اللبنانيين اليوم، في حين أن رئيس الجمهورية، بموجب الدستور، هو «رمز وحدة البلاد«.