مناخات إيجابية لإستبعاد معركة الرئاسة

الإنجازات الأمنية والإدارية والنيابية والسياسية المحققة في وقت قياسي قد تكون دليلاً على وجود إرادة للتسهيل لا للتعطيل، ورغبة في التعاون لا التعارض والشراكة لا المساكنة، إنما قد تكون في الوقت نفسه تعبيراً عن مناخات إيجابية مصطنعة تهدف إلى وضع «14 آذار» أمام خيارين: توسيع التفاهمات أو إعادة عقارب الساعة الى عشيّة التأليف؟

أُزيلت بسحر ساحر الدشم الأمنية والحكومية والنيابية كلها، وفتحت قنوات التواصل، واستعادت المؤسسات ديناميّتها وحركتها وانتاجيتها على رغم أنه لم يتغير شيء في المشهد السياسي، فـ«حزب الله» مازال في سوريا ويعبّر عن ندمه لدخوله المتأخر إلى الحرب السورية في موقف ينمّ عن تحد لكل مَن لا يزال يطالبه بالانسحاب من وحول هذه الأزمة، كذلك مواقف الحزب كلها تدلّ الى أنه ليس في وارد إجراء مراجعة لقضية سلاحه، لا بل دعا إلى التمييز بين «حزب الله» والمقاومة من زاوية انّ انتقاد الحزب مسموح أما المقاومة فممنوع، علماً أنّ الأزمة اللبنانية متأتية من هذه المقاومة التي بدأت وطنية وانتهت إسلامية، فضلاً عن هجومه على الرئيس ميشال سليمان ومقاطعته الرئاسة الأولى في خطوة لم يقدم عليها في عزّ مواجهته مع «المستقبل».

فما تقدم يشير الى وجود مشهدين: المشهد الأول انفتاحي، حيث قرر «حزب الله» التساهل والتعاون بالشكل الذي لا يؤثر في استراتيجيته، ولا بل يخدم هذه الاستراتيجية التي تسعى حالياً الى تهدئة الوضع السياسي والأمني في لبنان من أجل مواصلة تفرغها للمواجهة السورية، خصوصاً وأنّ التشنج السياسي في الأشهر الأخيرة الذي وصل الى حده الأقصى، فضلاً عن التفجيرات الإرهابية والفوضى الأمنية، أدّى الى إنهاك الحزب واشغاله، وكان السبب الأساس وراء دفعه إلى التنازل الشكلي والتكتي بغية ترييح وضعه الداخلي ولو تطلب الأمر تنازلات لا تبدّل في جوهر الصراع، طالما أنّ المعركة اليوم، بالنسبة اليه، هي في مكان آخر.

المشهد الثاني تشدّدي في ثلاثة ملفات: الإصرار على القتال في سوريا، الإصرار على السلاح والإصرار على إيصال رئيس للجمهورية يتعهد بتغطية الأبعاد الاستراتيجية للحزب من علة وجوده المتمثلة بالسلاح إلى أدواره الإقليمية.

وانطلاقاً من هذين المشهدين، سؤال يطرح نفسه: ما الرسالة التي يحاول «حزب الله» إيصالها؟ وفي الإجابة من الواضح أنّ الحزب يسعى من خلال المناخات الإيجابية التي تصدرت المشهد السياسي إلى إيصال رسالة إلى الدول الغربية ومن ثم العربية وأخيراً «14 آذار» مفادها أنّ استمرار هذه المناخات وتطوّرها يتوقف على الانتخابات الرئاسية، بمعنى وضع «الطابة» في ملعب «14 آذار» في محاولة للضغط عليها عبر وضعها في مواجهة مع المجتمعين الدولي والعربي والرأي العام اللبناني وتصوير أنّ تمسكها بمرشح من صفوفها سيطيح بكل الأجواء الإيجابية، فيما تسهيل وصول رئيس من صفوف الحزب أو قريب منه يعزز هذه الأجواء.

فالمناخات الإيجابية التي عمّت فجأة مصطنعة، ومن أسبابها معرفة «حزب الله» جيداً ماهية الأولوية الدولية في هذه المرحلة والتي تختصر بالاستقرار ولو كان على يد الحزب، الأمر الذي دفعه إلى الدخول على خط الأجندة الدولية لتثبيتها أو تعديلها من قبيل أنّ تعاونه وانفتاحه وإيجابيته أمور مشروطة بهوية الرئيس القادم، وذلك بغية دفع المجتمع الدولي إلى التجاوب مع شروطه الرئاسية.

وحيال هذه الإيجابية المستجدة والرسائل العابرة للحدود اللبنانية لا بدّ من خلاصتين:

الأولى، طالما أنّ المبادرة ما زالت بيد الطرف المسلح، يعني أنّ كل ما تحقق من انجازات على مختلف الصعد معرضٌ للانهيار في أيّ لحظة وصولاً إلى تطيير الحكومة، لأنّ «حزب الله» لم يتبدل ولن يتغير، وكل ما في الأمر هو أنّ ظروف المواجهة مع الإرهاب ومقتضيات المعركة الرئاسية دفعته إلى تعديل تموضعه الشكلي، لا الاستراتيجي، ما يعني أنّ الرهان على إيجابيات معه هو كالرهان على الأوهام، لأنه عند أيّ تبدّل في المعطيات الخارجية لن يتردد في الانقلاب مجدداً على الوضع الحالي، والتجربة أكبر برهان، وبالتالي أيّ تطبيع معه هو انتحار.

الخلاصة الثانية، المعركة الرئاسية غير قابلة للمساومة، ولا تقل أهمية عن معركة اعادة السراي إلى حضن الشرعية اللبنانية والسنّية، وما ينطبق على الرئاستين الأولى والثالثة ينسحب على الانتخابات النيابية التي ستخاض على أساس مشروعين ورؤيتين، وبالتالي من غير المسموح تفويت أيّ معركة دستورية، لأنّ ساحة المواجهة مع «حزب الله» هي المؤسسات وعلى طريقة تحصيل النقاط من أجل تحسين شروط المواجهة.

فالاستحقاق الأبرز اليوم هو استحقاق رئاسة الجمهورية، ولن تجدي محاولات تحييد المجتمع الدولي بحجة الاستقرار، ولا تحييد بعض «14 آذار» بذريعة تسهيل العمل الحكومي واستبعاد المعركة الرئاسية، لأنّ وضع «حزب الله» يده على رئاسة الجمهورية سيؤدي إلى الإخلال بميزان القوى السياسي لمصلحته… نهائياً.

السابق
دَلَع «حزب الله»: النوستالجيا اللحّودية
التالي
مايا دياب: لا مانع من الترشح للانتخابات