الضاحية: الدولة في كنف حزب الله

الضاحية الجنوبية
ينتشر عناصر حزب الله قبل الحواجز الأمنيّة التي تقيمها القوى العسكرية الرسمية في ضاحية بيورت الجنوبية، ويأمرون العناصر التابعة للدولة: أوقف هذه السيارة، وارتك تلك. وبعد الحواجز ينتشر زملاء لهم من "حزب الله" في حال شكّوا بسيارة تركها "الحاجز الخفي" والحاجز الرسمي. لتصير "الدولة" بين فكّي كماشة حزب الله. هي الدولة في كنف "حزب الله".

في 23 أيلول 2013 استلمت الدولة، بحواجز قوى الأمن الرسمية، من جيش لبناني وأمن داخلي وأمن عام، عشرات مداخل ضاحية بيروت الجنوبية، منهية الأمن الذاتي الذي كان الحزب نفّذه عبر نشر عددٍ من عناصره لتفتيش السيارات والناس على تلك المداخل منذ بدء التفجيرات هناك.

غير أنّه، ومنذ أسبوعين، لاحظ الداخلون والخارجون من الضاحية عودة عناصر حزب الله للانتشار في مكانين. أولا قبل حواجز القوى الأمنية، دون سلاح ظاهر، لكن مع “سلاح” من نوع آخر، هو ميكروفون يتحدّث عبره عنصر حزب الله إلى الجندي الذي يقرّر إذا كان سيوقف السيّارة أو سيدعها تمرّ. عنصر حزب الله إذا هو الذي يقرّر، والجندي الرسمي، التابع للدولة، يأخذ الأوامر منه وليس من الضابط المسؤول عن الحاجز.

هؤلاء العناصر الحزبيون يجلسون في أكواخ صغيرة تتّسع لرجل واحد، قبل الحواجز الرسمية، ويلبسون ثيابا كاكية اللون، ليوحوا للبعض أنّهم من “شرطة البلدية”. وهم ليسوا من شرطة البلدية، وإن كان بعضهم، فإنّهم يتبعون “حزب الله” بالتأكيد وليس بلديات الضاحية بأيّ حال من الأحوال.  ومن لا يصدّق ما عليه إلا النزول إلى أيّ حاجز والتفرّج.

بعد الحاجز “حواجز” صغيرة تبدأ مما بعد الحاجز وتتنشر في كلّ زواريب الضاحية، حيث شبّان يوقفون أيّ سيارة يشتبهون بها ويطلبون أوراق سائقها وقد يؤخّرونه ساعة أو أكثر ريثما ينهون التفتيش.

هنا لا بدّ من طرح سؤالين مهمين. الأول هو: هل أن حزب الله لا يثق بعناصر القوى الأمنية الرسميّة وبكفاءاتهم؟ والثاني: ما معنى عودة الضاحية إلى كنف الدولة في ظل استمرار سيطرة حزب الله الأمنية على الأرض؟

لا شكّ أنّ الظروف الأمنية الاستثنائية عقب عمليات التفجير الانتحارية التي قام بها إرهابيو “النصرة” و”داعش”، واستهدفت الآمنين في الضاحية وبئر حسن، أربكت الجميع وأقلقت حزب الله مجددا.

لكن بالمقابل يبدو أنّ سيطرة الأمن الرسمي هي إسميّة لا فعليّة وتقتصر فقط على مساحة لا تتجاوز المتر المربّع، حيث يقف عناصر القوى الرسمية، من جيش وأمن داخلي وأمن عام، بينما يتحكّم عناصر حزب الله بمفاصل الشوارع والأحياء الداخلية، وبالحواجز نفسها أولا وأخيرا.

أكثر ما يخشى أن تنسحب تلك المظاهر الأمنيّة الهجينة على الأراضي اللبنانية كافة. فبعد انتشار الجيش في الجنوب، مصحوبا بقوات الطوارئ الدولية المعزّزة، لم يتراجع الوجود العسكري الظاهر والفعّال لحزب الله في المدن والقرى الجنوبية. وشهدنا في طرابلس انتشار أمنيا للجيش اللبناني لم يمنع قادة المحاور ومسلحيهم في التبانة وجبل محسن من الاستمرار في التسلّح وحمل الأسلحة علنا والتعبئة والقيام بجولات قتال ليلية، وأحياناً نهارية، بعضها لا يزال مستمرّا حتى كتابة هذه السطور. وبات عاديا أن يستشهد أحياناً عناصر من الجيش في هذه المعارك. كما أن مشهد دخول الجيش بلدة عرسال مشابه. وهو جاء ليحلّ مشكلة قطع طريقها وحصارها من قبل بعض أهالي اللبوة الموتورين، بسبب ما لحق بهم من أذى بعد سقوط موجات من الصواريخ الآتية من شرق عرسال وجرودها، حيث يتمركز  مسلّحو المعارضة السورية. صواريخ خلّفت قتلى وجرحى في عدد من البلدات الشيعية المجاورة.

فهل يكون انتشار الجيش في عرسال “صوري” على شاكلة انتشاره في الضاحية الجنوبية وطرابلس؟ وهل تكون السنّة التي سنّها حزب الله قبلا، والسقف الأمني الذي وضعه أمام الجيش والقوى الأمنية، هو المقياس والمعيار الأقصى لمدى قدرتها على “الإمساك” بالأرض؟

بعد تفشي ظاهرة السلاح بين اللبنانيين بسبب إصرار حزب الله على الاحتفاظ بسلاحه بعد تحرير الجنوب في العام 2000، دون مسوّغ منطقي ووسط انقسام طائفي، يبرز الآن للعيان تحديد مهام الجيش بالتراضي وتقييد القوى الأمنية ونشرها وفق آليات تضمن بقاء بؤر قوى الأمر الواقع. فتستمرّ الأزمات السياسية، وتدار بسقف أمني منخفض لا يسمح للشرعية أن تسود ولا للقانون أن يكون هو الحكم الوحيد في النزاعات بين اللبنانيين.

والمحصّلة: الدولة في كنف حزب الله بضاحية بيروت الجنوبية، كما هي في كنف مقاتلي طرابلس شمالا، وفي كنف مقاتلي عرسال واللبوة بقاعا. لكنّ الأصحّ: الدولة في كنف حزب الله، لأنّه هو الذي كان وراء تفريخ منطق الاستقواء على الدولة.

السابق
كاميرون دياز معي 50 مليون$
التالي
الدين بين المحبّة والكراهية