سوريا بين الجزأرة والتقسيم والاستنزاف

وَصلْ دمشق بالساحل السوري، بعد السيطرة الأسدية – «حزب الله»، على يبرود، يضع الجميع أمام سؤال كبير، تبدو الإجابة عليه حالياً غائبة وحتى مستحيلة، وهو: أي حل للحرب في سوريا؟
سوريا أمام ثلاثة سيناريوهات وليست حلولاً بالمعنى السياسي الناجز، وهي:

تقسيم سوريا إلى ثلاثة كانتونات:

– الأول من دمشق إلى الحدود التركية في الاسكندرون يتزعّمه بشار الأسد، بعيد عن «العباءة» العلمانية البعثية، هو «الكانتون العلوي»، ويضمّ أيضاً «سنّة النظام» خصوصاً من «الدمشقيين« الذين برعوا في التفرّج على الحرب وحتى المشاركة في المضاربات والإثراء منها. هذا الكانتون سيبقى تحت حماية وضمانة وإدارة طهران وموسكو اللتين ستكون لهما قواعد عسكرية دائمة.

في هذا الحل يكسب «حزب الله» تحت «العباءة الإيرانية»، بعد أن دفع كلفة الحرب من دماء مقاتليه بعيداً عن خط التماس مع العدو الإسرائيلي. يضمن الحزب بذلك فائض قوّته ليستثمره لاحقاً في إعادة صياغة النظام السياسي بعد وأد اتفاق الطائف بما يتناسب مع طموحاته.

يمكن للنظام الأسدي العلوي، مطالبة تركيا خصوصاً إذا بقي الطيب رجب أردوغان في السلطة التعويض على النظام لبعض خسائره وإلاّ فإنّ لديه «سلاحاً» قاتلاً هو تحريك العلويين في الاسكندرون بعد أن نجح في تحريضهم سابقاً وإن بشكل محدود. لا شك أنّ علويي الاسكندرون سيشعرون بالقوّة إذا وجدوا أنّ النظام العلوي في دمشق يقف معهم وإلى جانبهم. إلى هذا السلاح ضدّ تركيا يمكن أيضاً تحريك الملف الكردي خصوصاً بعد حصول أكراد سوريا على صيغة مشابهة لكردستان العراق. أخيراً سيبقى في هذا الكانتون الأسد إلى الأبد.

– الكانتون الثاني يضمّ جنوب سوريا في درعا وبعض المناطق الريفية الملحقة بها، حيث سيبقى ناراً مشتعلة، الصراع في هذا الكانتون سيكون بين المعتدلين من الثوار سواء كان «الائتلاف« و«الجيش الحر« أو غيرهما وكل «الداعشيين» و»القاعديين». التحوّلات الدولية ستقرّر كيف سيتم استخدام نار هذا الكانتون.

– الكانتون الكردي المتحالف مع الأسد إلى حين بلورة علاقته نهائياً بكردستان العراق.

الخاسرون في هذه العملية هم الدروز والمسيحيون لأنّ مَن سيبقى منهم سيكون «ملحقاً« بالعلويين وتحت إمرتهم.

«الجزأرة»، هذا الحل يبدو هو الذي يتم تنفيذه ببراعة استناداً إلى التجربة الجزائرية، ما يدعم تنفيذ «الجزأرة»، أنّ «الملعب السوري« مفتوح على منسوب من «العسكرة» والتدمير والقتل يتجاوز بمراحل «الجزأرة» الجزائرية، وتقوم «الجزأرة» في قضم المدن وهضمها عسكرياً والعمل على وصلها في ما بعد. كل شيء مسموح في هذه العملية القتل والذبح والاعتقالات والاغتصابات وشيطنة الخصوم والتعاون مع بعض الخصوم عن طريق مجموعات وأفراد وحتى تنظيمات معارضة مزروعة في قلبها إمّا قبل المعارك أو أثناءها. خبرات المخابرات السورية في هذه العملية قديمة وماهرة وليست بحاجة للتعلم من المخابرات الجزائرية. ما يجعل «الجزأرة» ممكنة، أنّ دولتان هما إيران وروسيا دعمتا النظام الأسدي بلا حدود بالمال والسلاح والخبراء والميليشيات التي تقاتل تحت شعارات مذهبية تشكّل وحدها قوّة دفع غير محدودة للنهوض بالجبهات. النظام الجزائري انتصر على الإسلاميين بعد عشر سنوات بدعم مستور من فرنسا، بينما في سوريا الدعم العلني من إيران وروسيا مستمر ومتصاعد.

الاستنزاف، حتى الآن سقط أكثر من 140 ألف قتيل عدا الذين اختفوا في المعتقلات أو ذُبحوا على الطرقات ببربرية غير مشهودة. هذا الحل هو الأقرب إلى الواقع لأنّ الحرب في سوريا إقليمية إقليمية ودولية دولية، ما لم يتعب الجميع ويتم رسم خطوط التماس في «الملعب السوري«، لا رأفة لخسائر سوريا والسوريين. عندما تصبح الخسائر مجرّد أرقام تسقط الإنسانية وتطفو المصالح على سطح العلاقات بين الدول.

بعد يبرود ماذا؟

الصحافي الكبير الراحل ميشال أبو جودة كان يجيب عندما يُسأل متى ستنتهي الحرب في لبنان؟ لا تستعجلوا هذا بئر كلما خلتم أنّكم وصلتم إلى القاع ستكتشفون أنّه بئر بلا قاع… كذلك سوريا.

السابق
بالصور: قتل طعنا في الفنار وكتب بدمه: «انتقاما ليبرود وسوريا»
التالي
44 جريحاً سورياً دخلوا عرسال بينهم 12 مقاتلاً