صقر القوات يُحلِّق: «مين قدّك يا إبراهيم»!

شعار القوات اللبنانية

يُخيّل إلى من يرى من بعد العلمين، اللبناني والأميركي، المنتصبين أمام سور كبير مزروع في سهل زحلة، أن السفارة الأميركية نقلت مقرها الى بلدة الفيضا. لكن كلما اقتربت من السور تتضح الصورة أكثر، خصوصاً عند رؤية الفيلا الكبيرة المحاطة بكنيسة وعدد من المستودعات.

على أحد الجدران صورة كبيرة لرئيس الهيئة التنفيذية في القوات اللبنانية سمير جعجع إلى جانب أخرى للبطريرك المتقاعد نصرالله صفير، وثالثة للرئيس بشير الجميل، ورابعة للرئيس كميل شمعون. فمالك الفيلا هو رجل الأعمال الزحلاوي ــــ الأميركي إبراهيم الصقر أبرز مموّلي القوات. قبل أقل من شهر، كانت لوحات الصقر الإعلانية المذيّلة بعبارة «صاحب مبدأ» وصورة جعجع تختصر وجوده. بدءاً من أول من أمس، بات الصقر حديث الناس، بعد خطف ابنه ميشال من السيارة التي تقلّه الى مدرسته. أطلّ الصقر من خلال مؤتمر صحافي على شاشات التلفزة للمرة الأولى شاكراً جهود الجيش ورئيس مجلس النواب نبيه بري وجعجع التي ساهمت في تحرير ابنه من أيادي الخاطفين، وكأنه على معرفة وطيدة بكل هؤلاء. في الأصل، ليس الصقر قواتياً ملتزماً أو مقاتلاً سابقاً في صفوف الحزب. اقتصرت أولويات أسرته سابقاً على الزراعة ومناصرة آل الهراوي، متدرجين في موالاتهم من النائب الراحل جورج الهراوي الى الرئيس الراحل الياس الهراوي فالوزير السابق خليل الهراوي. ففي التسعينيات، وفقاً لأحد فاعليات مدينة زحلة، عيّن الرئيس الهراوي الصقر مديراً لإحدى محطات الوقود التابعة له. وما لبث الشاب الطموح أن أسّس محطته الخاصة وبدأ بتوسيعها ونشر فروع لها في مختلف المناطق اللبنانية. وقد ساعده في ذلك غطاء الرئيس الذي أطاح في إحدى المرات مهندساً من التنظيم المدني لمعارضته رغبة الصقر في بناء محطة وقود على كوع الكحالة ـــ عاليه، في حين يروي نائب سابق عن إغلاق محطات الصقر مراراً بالشمع الأحمر، قبل إزالته عبر خليل الهراوي الذي كانت تجمعه وغازي كنعان علاقة جيّدة. ظلت علاقة الصقر بالوزير الهراوي مميزة الى أن ترك الأخير الوزارة وعاد كنعان الى سوريا. فآثر رجل الأعمال التقرب من رستم غزالي الذي كان يبغض الهراوي، بحسب النائب نفسه. رحل غزالي وأُخرج جعجع، فكان الصقر أول المهنّئين في معراب وبندقيته على كتفه… بعد نقلها من الكتف الأخرى بالطبع!
ارتدت العلاقات السابقة طابع المصالح التجارية المتبادلة، الى أن أيقظ جعجع في مناصره الحديث مصلحة الطموح السياسي. تتكاثر اللوحات الإعلانية فتعلو أسهم الصقر في معراب. وهو تمكن العام الماضي من كسب رصيد يكفيه لتقديم ترشيحه عن المقعد الماروني في زحلة، ولو بشكل منفرد «ظاهرياً»، أي من خارج لائحة القوات التي قدمت الى وزارة الداخلية. وفي العام الماضي أيضاً، خصّ البطريرك صفير زحلة بزيارة منع فيها نحر الخراف على شرفه. ولكن في بلدة حوش الأمراء أبى الصقر إلا أن يقيم مهرجاناً لصفير ويزفّه وسط الرماح والخيّالة. أما المفاجأة، فكانت استبداله الخروف بجمل اعتاد أن يأخذ السيّاح صوراً تذكارية معه في بعلبك، إذا به يُنحر في زحلة. قضى صفير يومها ونحو ألف وخمسمئة شخص من نواب ووزراء وفاعليات أخرى نهاراً كاملاً في ضيافة الصقر الذي دشّن حديقة في منزله باسم البطريرك. وتوجهت الجموع بعدها الى كنيسة رجل الأعمال القواتي: «كابيلا القديس مار مارون». أما ختام الجولة فكانت في ديوانية الفيلا حيث دهش المدعوون بصور البطاركة الموارنة المزدحمة على الجدران ولوحات تحمل كل أسمائهم منذ البطريرك يوحنا مارون في القرن الثامن. الى جانب هؤلاء صورتان ضخمتان، واحدة لصفير نفسه والثانية لجعجع. قبل ذلك كان صقر قد استقبل السفير الأميركي السابق جيفري فيلتمان في ديوانيته وكرّمه بتمثال للسيدة العذراء. وإن نسيت زحلة فلا تنسى تأسيس الصقر مجبلاً للباطون مرة، سمّاه مجبل «سيدة زحلة للباطون الجاهز»! وكان سبق له في حملة إعلانية غابرة أن وضع صورة القديس شربل الى جانب جعجع، فيما اكتفى بإظهاره أخيراً زاهداً تحت عنوان «صاحب مبدأ». أما إعلاناته الخاصة لمحطات وقوده على إذاعة لبنان الحر، فتحمل بصماته هي الأخرى حيث ينتهي الإعلان بعبارة «مين قدك يا صقر».
يقلق ما سبق حزب الكتائب أكثر من أي طرف آخر، وخصوصاً النائب إيلي ماروني، على ما يروي المقربون منه. يروّج القواتيون في مجالسهم التي يتقصّدون تسريبها الى حلفائهم أن المقعد الماروني في زحلة لم يعد مشرّعاً أمام الماروني. «القوات أحقّ»، ولم يعد مرشحهم مخفياً وهو الذي يموّل رئيسياً كل نشاطات الحزب في زحلة وخارجها. ويزيد من ريبة الكتائب موقف جعجع الأخير تجاه مسألة خطف ابن الصقر. ففي ظرف ثلاث ساعات استطاعت معراب خلق قضية سياسية كان من الممكن أن تتحول الى حرب أهلية بين زحلة وبعلبك. قُطع الأوتوستراد الرئيسي بالسواتر الترابية، سدّت الطرقات الفرعية، علت الأناشيد القواتية، وكانت التعبئة العامة فنزل القواتيون الى الشارع ونصبوا الحواجز. وهكذا أيقن كتائبيّو زحلة أن مسألة الصقر تتعدى اللوحات الإعلانية، وبالتالي لن يتخلى جعجع عن ترشيحه بسهولة، «وهنا الكارثة». لا يملك الصقر ما يشهره في وجه متّهميه بالترويج السياسي له وللقوات على ظهر ابنه. يسأل «أصحاب النميمة» عبر «الأخبار»: «هل لديكم أولاد لتدركوا معنى ما حصل لعائلتي؟ عندي ولد وحيد على أربع بنات. هيدا لي بقلن ياه». يضيف: «نحن لا ننام على شيء، وأشكر الذين تحركوا لمساعدتي، والفضل الكبير في عودة ابني سالما للحكيم». قبيل خطف ابنه لم يكن الصقر مرتاحاً، «كنت حاسس بدو يصير شي». ولكنه توقّع أن يتم خطفه هو لا ابنه، فآخر المعلومات تحدثت «إنو بدن ياني». إلا أن «وقاحتهم وصلت الى خطف ابني لأنه هدف أسهل وأخفّ وزناً».
زرعت معراب في زحلة «بطلاً» شعبوياً بعيداً عن نواب الحزب وقريباً من كرسي نائب الكتائب إيلي ماروني. والآن فقط بات بالإمكان، أكثر من أي وقت مضى، تصديق خبر إطاحة مستشار الرئيس ميشال سليمان، خليل الهراوي، من التشكيلة الحكومية، إذ تقول الإشاعة إن معراب ضغطت على الحريري للإيعاز الى سليمان باستبعاد الهراوي… كرمى لعيون الصقر.

 

السابق
جامعة الشعوب العربية تستقبل عماد سعيد
التالي
دورة تأهيل لخطباء المساجد في عكار