مذكرة بكركي مدخل لحل جذري فلنستفِد منها

يعتبر أكثر من مرجع أكاديمي أنّ المذكرة الوطنية التي أصدرتها البطريركية المارونية لمناسبة عيد مار مارون ، تستدعي قراءة متمعّنة لأنها تصلح أن تكون مدخلاً لحل الأزمة السياسية المسيحية بعامة والمارونية بخاصة واللبنانية. المعلوم أنه ليست المرّة الأولى التي يكون للصرح البطريركي وللاكاديميين الموارنة موقف حازم وجازم وصريح كلّما واجه الموارنة واللبنانيون أزمة حادةً يستعصي حلّها بسبب الانقسامات المارونية التي أوصلتنا حاضرًا الى حالات الانهزام الحاضرة والتهميش والتبعية والارتهان وتغليب المصالح الخاصة على المصلحة العامة ، والتفرّد في الرأي.

انّ الموارنة وبالاذن من الجميع ومن دون جرح شعور أحد لم يُعطَ لهم مجد لبنان مجاملةً أو هبة ، بل أعْطوا هذا المجد عن جدارة واستحقاق ، لأنّ الصرح البطريركي وبعض القادة الموارنة كان لهم الفضل الكبير وراء قيام لبنان الكبير والدولة اللبنانية وصيغتها الفريدة في الشرق.

انّ المذكرة أتَتْ في ظرف دقيق وحسّاس على المستوى الداخلي حيث ارتهان القادة الموارنة الحاليين بلغ ذروته وانقساماتهم تكاد تقضي على الحضور الماروني الفاعل في مؤسسات الدولة والخسائر تتوالى منذ اقرار وثيقة الوفاق الوطني حيث خسِرَ الموارنة حضورهم في مؤسسات الدولة وهُمّشوا وأُبْعِدوا عن مراكز القرار وليس من داعٍ لتعداد ما خسروه من مراكز … والمذكرة أتَتْ أيضًا في ظل احتدام الصراع المذهبي السُنّي – الشيعي في المنطقة والذي طاول الأرض اللبنانية ، فكانت التفجيرات المُدانة ، والأكثر من ذلكَ أنّ فشل الاداء السياسي للقيادات المارونية يكاد يُورّط لبنان والمسيحيين بآتون الآزمة السورية حيث عَمِلَ الفريقان المسيحيان المتخاصمان والتابعان للمحاور المتقاتلة الى الاصطفاف وراء هذا النزاع ، فكان منهما من يؤيد النظام في حربه ويُسوّق له اعلاميًا في شارعه ويتبنّى مواقفه وأساليبه في قضم ما يُعرف بالمعارضة ، والطرف المسيحي الثاني الموالي للمحور الداعم للمعارضة يُسوّق له ويدعمه ويتغاضى عن دخول السلاح والأفراد عبر الحدود اللبنانية.

انّ المذكرة وللذين لا يُحسنون القراءة من القادة الموارنة والذين بدوا مرتبكين منها ، حفلت بمضمون وطني سياسي طغت عليه الميثاقية وبأفكار مترابطة تلخّصتْ بما يلي : الحياد الايجابي – العودة الى جوهر الميثاق الوطني – تحييد لبنان عن الصراعات الاقليمية أي تبني اعلان بعبدا – حصرية القوى العسكرية في يد السلطة الشرعية اللبنانية – تطبيق المناصفة الفعلية والعملّية – اقرار اللامركزية الادارية الموسعة – تطبيق الطائف وسد ثغراته الدستورية والاجرائية – انتخاب رئيس جديد للجمهورية اللبنانية.

انه وفقًا للمعطيات التي باتتْ في امتلاك أغلبية من يتعاطون الشأن العام ، أننا ذاهبون وللأسف نحو الفراغ في كل السلطات والتي بدأت بالتمديد اللاشرعي للمجلس النيابي وبتعطيل المجلس الدستوري ، مرورًا بالتمديد لحضرة قائد الجيش اللبناني وصولاً الى عرقلة تشكيل الحكومة ، ويُخشى اليوم من عملية تمييع انتخاب رئيس جديد للجمهورية اللبنانية ، لتلك الأسباب الموجبة قد آنَ الأوان لبكركي وللقوى المارونية المستقلة الخروج من دوّامة اللاتأثير في الحياة السياسية اللبنانية والتي تركتْ آثارًا جدا سلبيّة على الموارنة وعلى المسيحيين وحتى على اللبنانيين … ومن الطبيعي امتلاك زمام المبادرة لأننا بتنا مقتنعين أنّ الأمن والاستقرار هما الضمان الوحيد لحضورنا الفاعل وليس التكتلات النيابية الاستعراضية التي أوصلتنا وللأسف الى الهجرة والتهميش وبيع الأرض وخسارة كبيرة في الديموغرافيا ، وفي ظل خيارات رخيصة دفعنا ثمنها غاليًا مرورًا بالصراع الناصري والصراع العربي الاسرائيلي والصراع اللبناني الفلسطيني عقب توقيع اتفاقية القاهرة المُذلة ، وصولاً الى الصراع الايراني ومن معه والمناهضين له ، فكانت حرب 2006 التي دمرت لبنان وجيّرت سيادته الى الغريب والأمثلة كثيرة …

ازاء الوضع السياسي الداخلي القائم والوضع الاقليمي الراهن ، علينا كموارنة العمل جديًا على فرض حضورنا الذي خسرناه بسبب تلك السياسات المُذلّة التي مورِسَتْ منذ الاستقلال مرورًا باقرار وثيقة الوفاق الوطني وما أدّتْ اليه من خسارة فاضحة وتهجير واعتقالات ونفي وهجرة وابعاد عن مراكز القرار الشرعية. والمطلوب اليوم وضع خريطة طريق عملية لتنفيذ المذكرة تكون أولى أولوياتها اخراج الوطن من المعضلات التي تراكمت وأصبحت تُهدّد صيغة العيش المشترك بعدما تمادى كل الأطراف في ممارسة مذهبية استغلالية ، وللبحث صلة.

السابق
الطقس غدا مشمس مع ارتفاع ملحوظ في الحرارة
التالي
وفد اممي في مخيمات النازحين