معادلة الانتحاري: البقاع والضاحية مقابل سوريا

ليس ما جرى من تفجيرات انتحارية حتى الآن الا البداية. فالتوقعات لدى اوساط قريبة من حزب الله تشير الى ان ثمة جهد امني كبير يبذل لمكافحة هذا الوباء الانتحاري، وثمة استعداد لما هو اسوأ على هذا الصعيد. ويحيل هؤلاء الى الانماط الانتحارية التي اعتمدت في دولة العراق خلال السنوات العشرة السابقة، والى غيرها من دول العالم التي كانت هدفا لتنظيم القاعدة ولاتزال، اسلامية كانت او غربية.

الكلام لا يطمئن، بل يزيد من القلق ويدفع الكثيرين من ابناء الضاحية الى اعادة ترتيب مسار حياتهم بما يخفف من الاخطار ولا يلغيها. هذا لمن يمتلك خيارات، كالقدرة المادية على نقل محل الاقامة او مكان العمل من المناطق ذات الغالبية الشيعية الى مناطق اخرى يفترض انها خارج دائرة الاستهداف. وهذا ما تستطيعه فئة محدودة جدا. وقام بعضها بهذه الخطوة ضماناً للسلامة وتفاديا للمخاطر. والاكثرية باتت تتفادى التنقّل في شوارع الضاحية الا للضرورات الملحة، او قضاء نهاراتها خارج الضاحية والعودة الى منازلها ليلا للنوم فقط، بانتظار المغادرة صباحا… وهكذا دواليك.

كثيرة هي الروايات والحكايا عن الحياة المستجدة في مواجهة خطر الانتحاري او الارهاب، الذي بات على لسان الجميع من دون شعور بالارتباك او التلعثم بلفظها، كما كان الحال قبل سنوات قليلة.

ادبيات مكافحة الارهاب والتصدي له انتشرت في مناطق لطالما اتهمت باحتضانه. انتشار ليس كافياً لدرئه. وتناقل مصطلحات الارهاب والارهابيين والتكفيريين بات الشغل الشاغل ولغة التخاطب بين الناس، ومفتاحا لمواقف السياسيين وغيرهم من الفاعلين في هذه البيئة.

والموت في قضية مواجهة الارهاب لا يحمل ابعادا نضالية. والصمود الذي يرتبط بتداعيات الازمة السورية يبقى ملتبساً، اذا ما قيس بالصمود في وجه العدوان الاسرائيلي. اذ لم يستطع حزب الله ان يحوّل القتال في سورية الى قضية صلبة في البيئة الشيعية، بخلاف قضية قتال اسرائيل.

فجنوب لبنان كانت التضحيات بمواجهة اسرائيل لها ثمار سياسية ومعنوية على امتداد العالم العربي والاسلامي. اما القتال في سورية فله ثمن لكنّ الثمار غير ملموسة.

في المعركة مع اسرائيل كان حزب الله يقاتل على ارضه ويدير المعركة ويتحكم بمساراتها، ويؤثر على نتائجها. أما في سورية، ورغم التضحيات والانجازات العسكرية، فإنّه لا يتحكم بسياقات المعركة. وصحيح ان الثورة السورية لم تنجح، إلا أنّ نظام الأسد لم يتنتصر، بل يزداد مأزقه.

كل هذا يضيف المزيد من الارباك حيال التعامل مع الخطر الارهابي على البيئة الشيعية. ومن وجوهه انّ هذه العمليات الارهابية لا تجد رفضا جدياً في البيئة السنّية. ومن المؤسف انّ هذا الشكل من الارهاب يروي الغليل في اللاوعي الجمعي لدى السنّة، وهو يستجيب لجروح طالته في سورية ولبنان ممتدة سنوات عدة الى الوراء. وليس هامشيا ان يكون الثابت في بيانات اعلان المسؤولية عن التفجيرات الانتحارية من قبل مجموعات “القاعدة” خطاب عن الحرب باسم “اهل السنّة والجماعة”. وبعيدا عن التمويه، فإنّ ما يجري، في بعض وجوهه، هو تعبير عن ردّ فعل سنّي، أو فعل يتخذ بعدا مذهبيا وليس في جعبته برنامج سياسي.

في كل الاحوال حزب الله لن يعود من منتصف الطريق التي اعتمدها لنصرة النظام السوري، بعدما اعتبره طريقا وجوديا. لذا فمهما حصل في لبنان لن يتغير خياره. بل إنّ المعركة الاساسية هي سورية، وما يجري في لبنان هامش لها.

هما مجالان مختلفان ومعركتان منفصلتان لدى حزب الله، رغم محاولة التكفيريين نقل المعركة الى ساحته. هما معركتان يفصل الحزب بينهما، وكلّ واحدة لها ادواتها وادارتها، مع حرصه على استثمار العمليات الارهابية التي تطال بيئته الشيعية في القول انّ معركته السورية كانت محقّة منذ البداية. استثمار تبقى محصلته في الوعي العام انّ التضحية له وفيه خسارة، والموت من أجله خسارة، وانّ الحياة، بالنسبة الى معظم جمهوره، لا تستحقّ ان تُقدم قربانا لقضية تفتقد الصلابة ولا تعد بالثمار.

الأهمّ أنّ حزب الله بات متيقّنا من أنّ المعادلة هي التالية: الضاحية والبقاع مقابل سوريا. وأنّ الجرح السنّي الذي “ينغل” داخله في سوريا، يقابله جرح شيعيّ ثمة من سينغل داخله في لبنان.

السابق
أنصار النائب بهية الحريري يقطعون الطريق على جسر الاولي
التالي
كيري: قصف حلب بالبراميل المتفجرة عرت الأسد أمام العالم