حكومة لبلد مُشلّع

تُركِّز العواصم الغربية على عنوان واحد في مقاربتها للوضع اللبناني: إيقاف انزلاقه السريع نحو الفوضى والعمل على استعادة شيء من استقراره الامني. وتحت هذا العنوان تحاول هذه العواصم، وفي طليعتها واشنطن، إدراج الخطوات اللازمة في هذا الاتجاه ومن بينها تأليف حكومة سياسية جامعة.

لهذا الهدف، تحرَّك السفير الاميركي في لبنان ديفيد هيل في خطوة غير مألوفة، فلم يكتفِ بلقاء المسؤولين اللبنانيين في لبنان، بل قصد باريس للقاء الرئيس سعد الحريري، ووصلت حركته الى حدّ زيارة العاصمة السعودية.

بالتأكيد، لا يقع لبنان أبداً في أولوية برامج العواصم الغربية. ومن أجل ذلك ربما يتكثَّف الضغط لإبجاد نوع من انواع الحصانة الداخلية القادرة على الحدّ من التأثيرات السلبية والعوارض المقلقة والخطيرة التي ظهرت على الساحة اللبنانية، لتتفرّغ هذه العواصم لانشغالاتها الكثيرة على المستوى الاقليمي: الحرب في سوريا، العلاقة المفتوحة مع ايران، التطورات المعبرة في العراق، المشاكل التركية الداخلية، المفاوضات الاسرائيلية – الفلسطينية والتي أدّت الى تدهور في العلاقات الاميركية – الاسرائيلية.

لذلك تروي مصادر ديبلوماسية مطلعة أنّ الهدف الفعلي لولادة حكومة سياسية جامعة ينحصر بنقطتين اساسيتين:

الاولى: جمع القوّتين المتناحرتين والمتحاربتين في المنطقة، أي الشيعة والسنّة، في حكومة واحدة من خلال “حزب الله” وتيار “المستقبل”، ما يُخفِّف من حال الاحتقان الداخلي بعض الشيء ويعطي الحكومة الشرعية القدرة على تأمين مظلة حماية سياسية للجيش اللبناني ليستطيع ضرب الحركات الارهابية التي أصبحت قوية على الساحة اللبنانية. ولم يكن من باب المصادفة أن تُصعّد هذه المجموعات عملياتها في لبنان بهدف ابقاء حال التشنج قائمة، اضافة الى الدعوة الصريحة لاستهداف الجيش اللبناني.

وتعي العواصم الغربية، وفي طليعتها واشنطن، أنّ هذه المواجهة اصبحت اصعب بكثير من السابق، ما يُحتِّم إيجاد مناخ لبناني داخلي يرفض تغلغل هذه الحركات تحت ايّ شعار كان.

الثانية: دقّة الاوضاع في المنطقة وعدم اتّضاح الاتجاه الذي سترسو عليه، ما يجعل من الصعب ولوج الاستحقاق الرئاسي في حال بقيت الامور على هذا المقدار من الغموض.

فمن المتعارف عليه، أنّ البرنامج هو الذي يُحدِّد هوية الرئيس اللبناني المقبل. وهذا البرنامج لا بدّ من أن ينسجم مع المناخ السائد في المنطقة والاتجاه الذي سيسلكه مستقبلاً. فالقنوات المفتوحة بين واشنطن وطهران على سبيل المثال لا تزال تحتاج لبعض الوقت لجلاء الصورة، على رغم تأكيد المصادر المطلعة أنّ القنوات المفتوحة تضجّ بالحركة، بدليل نجومية الرئيس الايراني حسن روحاني في مؤتمر دافوس… لكنّ هذا شيء وظهور نتائج ملموسة شيء آخر.

لذلك تخشى الاوساط الاميركية من اقتراب موعد الاستحقاق الرئاسي من دون اتضاح الصورة الاقليمية، ما سيأخذ الاوضاع في اتجاه الفراغ الرئاسي، خصوصاً أنّ واشنطن مقتنعة بوجوب عدم التمديد للرئيس ميشال سليمان مهما كانت الاعتبارات.

واستطراداً، فإنّ الحكومة الحاليّة المستقيلة، التي لا تضمّ في الوقت نفسه فريقاً سياسياً أساسياً هو تيار “المستقبل” لا يمكن لها ملء الفراغ الرئاسي من دون وقوع خضات أمنية وسياسية إضافية. لا بل على العكس، فإنّ متابعي الشأن اللبناني من الديبلوماسيين الاميركيين يراهنون على أن تساعد هكذا حكومة على انجاز الاستحقاق الرئاسي عندما يحين وقته، هذا في حال نجحت في إيجاد حدٍّ ادنى من القواسم المشتركة بين مكوّناتها وخصوصاً المكوّنين السنّي والشيعي.

من هذه الزاوية، تدفع الديبلوماسية الاميركية في اتجاه تذليل العقبات امام ولادة الحكومة، وهي المهمة المطلوبة من هيل الذي يحمل أساساً مهمّة فتح ابواب التواصل بين السفارة الأميركية والجسم الشيعي اللبناني.

وسط هذه الاجواء، يتوقَّع البعض تمرير كامل الوقت المسموح لتذليل العقبات، وهو لم يعد كثيراً، وإلّا فإنّ هناك من يهمس بطرح حكومة أمر واقع سياسية، أي بمعنى أن تضمّ كلّ القوى وفق العناوين العريضة المتَّفق عليها ومراعاة بعض الجوانب. فإذا نالت الثقة كان به، وإذا لم تنلها، استمرت في تصريف الاعمال حتى لو شهدت استقالات او اعتكافات.

والواضح أنّ هذه الهمسات تأتي من بعض الاوساط الديبلوماسية، الذي لا يأخذ في الاعتبار العناوين الداخلية الحساسة والاساسية، مثل موقع الطوائف وحصصها، والتي يطالب بها العماد ميشال عون، والتي هي محقة ولا سيما في موضوع الحقائب السيادية، لكنها تركز عملياً على الجوانب الاقليمية فيها والتي تطاول الاستقرار الامني الداخلي والنزاع السنّي – الشيعي المتفاقم في المنطقة، اضافة الى الفراغ الرئاسي المحتمل وسط التعقيدات الاقليمية.

السابق
فرع «داعش» اللبناني: دائرة الاستهداف تشمل الجيش
التالي
الدروس المستفادة لسوريا من تجربة البوسنة