هل تحرّض الحكومة الجامعة على استسهال الفراغ؟

يوحي الصراع الحاد على الحكومة المقبلة، توازنات سياسية وحقائب وبياناً وزارياً، بأن وظيفتها قد لا تكون محدودة، وأن عمرها ربما لا يكون قصيراً كما هو مفترض، قياساً الى الموعد القريب لانتخابات رئاسة الجمهورية التي يجب ان يليها دستورياً تأليف حكومة جديدة، طويلة المدى.
لا شيء في سلوك الأطراف السياسية يؤشر الى انها تتصرف مع عملية التأليف وكأن الحكومة المرتقبة آتية لمرحلة انتقالية تنتهي مع انتخاب رئيس الجمهورية بين 25 آذار و25 أيار، بل إن كل المعطيات توحي بأن حسابات مغايرة ونيّات مضمرة تتحكم بقواعد التأليف.
والأرجح أنه لو وُجدت قناعة حقيقية لدى المعنيين بأن الاستحقاق الرئاسي سينجز في موعده الدستوري، لكان تشكيل الحكومة أسهل ولاستغرق وقتاً أقصر، باعتبار أن الأسابيع القليلة التي ستمضيها في “الخدمة” لا يستأهلان بطبيعة الحال كل هذه المعارك الطاحنة من أجل الحصول على وزير إضافي او على حقيبة محددة.
لقد بات واضحاً أن القوى السياسية تضع في أولويتها احتمال عدم إجراء الانتخابات الرئاسية ضمن المهلة الدستورية المحددة، وبالتالي فهي تقارب الحكومة الجديدة، على أساس أنها هي التي ستتولى إدارة البلاد وممارسة صلاحيات رئيس الجمهورية، بعد حصول الفراغ الذي بدأ الترويج له والتكيف معه منذ الآن.
من هنا، يبدو كل طرف وكأنه يسعى الى تحسين موقعه كمّاً ونوعاً في التركيبة الوزارية المقبلة، لضمان أفضل وأفعل مشاركة ممكنة في “الحكومة الرئاسية” التي قد تقيم لوقت طويل في السلطة، إذا تعذر التوافق سريعاً على رئيس الجمهورية.
ولئن كانت التداعيات المترتبة على حكومة الأمر الواقع تهدد بنسف الانتخابات الرئاسية ما دعا البطريرك الماروني بشارة الراعي الى التحذير منها وعدم تغطيتها حرصاً منه، بالدرجة الاولى، على حماية موقع الرئاسة الذي يشكل هاجس بكركي وأولويتها، فإن المفارقة في المقابل أن الحكومة الجامعة قد تدفع البعض أيضاً الى استسهال الفراغ الرئاسي، على قاعدة أن هناك حكومة تضم الجميع بإمكانها أن تملأ هذا الفراغ، من دون أن يشعر أي فريق أنه مغيب عن المشاركة في “القيادة الجماعية” البديلة عن رئيس الجمهورية، حتى إشعار آخر.
وتستغرب أوساط مسيحية بارزة كل هذا الاهتمام الشديد بحكومة يُفترض انها لن تعيش طويلا، مشيرة الى انه إذا وُجدت نية صادقة بإجراء الانتخابات الرئاسية في موعدها، فما هو الداعي لهذا الإصرار على اعتماد المداورة في توزيع الحقائب الوزارية، لفترة قصيرة جداً لن تكون كافية أمام الوزراء الجدد للإمساك بملفاتهم وهضمها بالشكل المطلوب؟
وتعتبر الأوساط أن هناك من يتصرف منذ الآن على أساس أن الحكومة باقية لمدة طويلة تتجاوز حدود 25 أيار المقبل، ويطرح المداورة من هذه الزاوية.
ولا تخفي الأوساط خشيتها من أن يدفع الاستحقاق الرئاسي ثمن الحكومة الجامعة، معتبرة أن من واجب المسيحيين بكل انتماءاتهم السياسية العمل الحثيث والضغط المكثف في اتجاه ضمان إجراء الانتخابات الرئاسية ضمن المهلة الدستورية المحددة والحؤول دون الوقوع في محظور الفراغ.
وتشير الأوساط المسيحية الى أن دينامية التسوية التي يمكن أن تفضي الى ولادة الحكومة قريباً يجب أن تسري أيضاً على الاستحقاق الرئاسي، بحيث يندرج الملفان في سلة واحدة، لا أن يكون أحدهما على حساب الآخر.
وتشدد الأوساط على أنه لا ينبغي أن يكون الموقع المسيحي الأول في لبنان والعالم العربي بمثابة “الضحية السياسية” لأي تسوية حكومية يراد منها بالدرجة الأولى احتواء التوتر السني – الشيعي، عبر جمع تيار “المستقبل” و”حزب الله” في الحكومة، بل إن مصلحة السنة والشيعة أولاً تقتضي تحصين الحضور المسيحي في لبنان الذي تشكل رئاسة الجمهورية رمزه الأبرز، لما يمثله هذا الحضور من صمام أمان ومنطقة عازلة في مواجهة الاحتقان المذهبي داخل الصف الإسلامي.
وتنبه الأوساط الى أن النظام اللبناني، المرهف في تركيبته وتوازناته، لا يحتمل تكرار تجربة الفراغ في موقع رئاسة الجمهورية مع ما يعنيه ذلك من تهميش للمسيحيين، في وقت تتمثل الطائفة الشيعية في قمة النظام برئيس مجلس النواب وتتمثل الطائفية السنية برئيس مجلس الوزراء.

السابق
في أنّ عبد الناصر ميّت جدّاً
التالي
عيد: قرار الحريري يصبّ في مصلحة لبنان