الصين تواجه طاحونة الشائعات على الإنترنت

ربما تمثل محاولة تبين الحقيقة من الخيال على الإنترنت، مهمة بالغة الصعوبة في أي مكان في العالم، لكن المشكلة في الصين تتسم ببعد فريد من نوعه، يعطي غيابا نسبيا للمعلومات الموثوقة وبخاصة حول القضايا المتعلقة بالحكومة.

خلال السنوات الأخيرة، كانت السلطات الصينية تصدر في كثير من الأحيان بيانات مكذوبة في محاولة لإخفاء الحقيقة حول المسائل العامة، ونتيجة لذلك ازدهرت الشائعات خلال سعي الأفراد للبحث عن أدلة حول ما حدث فعلا. ونظرا لكذب المسؤولين وتزايد الشائعات أصبح من الصعب التمييز بين الحقيقة والخيال، وخاصة على الإنترنت.

وعن ذلك يقول المثل الشعبي «في الوقت الذي لا تزال فيه الحقيقة ترتدي حذاءها، تكون الشائعات قد جابت جميع أنحاء الصين».

ولكن المدونات الصغيرة ليست سوى أداة تجعل من السهل نقل الشائعات. فالأكاذيب التي تتداولها الحكومة لفترة طويلة تسهم في زيادة هذا القيل والقال على شبكة الإنترنت. ففي السادس من فبراير (شباط) 2012، سعى وانغ لي جون، قائد شرطة في تشونغ تشينغ آنذاك، لطلب اللجوء إلى القنصلية الأميركية في تشنغدو ليوم واحد. ورتب المسؤولون في تشونغ تشينغ رواية مفادها أن وانغ في إجازة مرضية، وبدأت الشائعات تتداول، حتى أن من بينها شائعة عن وقوع انقلاب في بكين.

هذه الافتراءات الحكومية تدفع الأفراد إلى البحث في الإنترنت في محاولة للوصول إلى القصة الحقيقية، وفي بعض الأحيان تجد أن الأشياء التي ينفيها المسؤولون على أنها شائعات يتضح فيما بعد أنها صحيحة. فعلى سبيل المثال، ثبتت صحة تفاصيل صفعة بو شي لاي – مسؤول كبير سابق في تشونغ تشينغ الذي يقضي فترة في السجن بتهمة الفساد – لوانغ فيما بعد، مما جعل المزيد من الناس يضعون ثقتهم في الشائعات.

نظرا لانتشار الشائعات، والسرعة التي تجوب بها شبكة الإنترنت، أدركت الحكومة أن تدابير مثل حذف المشاركات وإغلاق حسابات المدونات الصغيرة قد فقدت فعاليتها. لذلك بدأت حملة لملاحقة المدونين. فأصدرت المحكمة العليا والنيابة الشعبية في 9 سبتمبر (أيلول) حكما ينص على أن الشائعات التشهيرية، إذا جرى تداولها أكثر من 500 مرة على شبكة الإنترنت، فهي جريمة تستحق العقاب.

وبعد بضعة أيام، أصبح يانغ هوي، وهو صبي يبلغ من العمر 16 عاما في مقاطعة غانسو شمال غربي البلاد، أول من يعتقل بتهمة انتهاك القانون الجديد. بعد رفض التفسير الرسمي على الإنترنت حول وفاة رجل محلي، اعتقل لمدة سبعة أيام بتهمة إثارة المتاعب، أفرج عنه بعد ضجة عبر الإنترنت.

كانت الحملة قد بدأت في شهر أغسطس (آب)، وحتى قبل صدور الحكم. وبحسب تقارير وسائل الإعلام المحلية من جميع أنحاء البلاد، اعتقل مئات المدونين وجرى اقتيادهم للحجز. وقد جرى توجيه بعض «التحذيرات التعليمية» للبعض منهم؛ وسجن البعض الآخر. لكن الحصول على أرقام دقيقة يعد أمرا مستحيلا.

يبدو أن سياسة تضييق الخناق ستوفر مبررا قانونيا لا يمكن التشكيك فيه على شبكة الإنترنت، لأن الحكومة ستواصل حذف المشاركات، وإغلاق حسابات المدونات الصغيرة، مما يجعل من المستحيل على المنتقدين الاحتجاج على الإنترنت.

برزت حملة الحكومة على السطح في 21 أغسطس (آب)، عندما هيمنت قصة واحدة على شبكة الإنترنت: عندما أغلقت الشرطة في بكين «شركة للشائعات على الإنترنت» واحتجزت شخصا يعمل باسم مستعار هو تشين هوهو مع خمسة آخرين.

وذكرت وسائل الإعلام الرسمية، وذلك بالتنسيق مع شرطة بكين، تفاصيل الكثير من جرائم تشين. قبل هذا لم أكن أعرف شيئا عنه، وبعد قراءة جزء من المدونات الصغيرة له، بدا لي أن بعض مناصبه كانت مجرد شائعات لا أساس لها في الواقع.

لكن هناك الكثير من الأشخاص المدافعين عن تشين عبر شبكة الإنترنت، حيث وجدوا بعض الأمور السيئة بشأن اتهامات وسائل الإعلام الرسمية. فعلى سبيل المثال، كان من بين الجرائم المزعومة والمنسوبة لتشين ازدراؤه للجندي الشاب لي فينغ، الذي مدحه ماو ووصفه بأنه رمز وأيقونة حب الوطن والتضحية بالنفس، حيث زعم في إحدى التعليقات المنشورة أن فينغ يتوق لحياة الرفاهية، من خلال ذكر مسألة «الملابس الغالية التي اشتراها فينغ لنفسه في عام 1959، وكانت عبارة عن جاكيت جلدي وسروال من الصوف وحذاء جلدي، وكانت تكلفة ذلك نحو 90 يوان في ذلك الوقت، غير أنه دفع فقط 6 يوانات في الشهر».

أشار بعض المعلقين على شبكة الإنترنت أنه في نهاية عام 2012، أورد الموقع الرسمي لوكالة أنباء «شينخوا» بالفعل خبرا يفيد شراء فينغ لساعة يد وجاكيت جلدي. وتساءل هؤلاء المعلقون ساخرين: «لماذا لم تقم الشرطة بإيداع المسؤولين بوكالة (شينخوا) في السجن»؟

ومع الوضع في الاعتبار كل الدعم الذي يحظى به تشين على شبكة الإنترنت، وكذلك أصحاب المدونات المشهورون الذين أغلقت مدوناتهم، تساورني الشكوك بشأن إنجاز الهدف المرجو من استخدام الحكومة للإجراءات العقابية.

وفي الواقع، إن الشعب الصيني، الذين ينتمي إلى جيلي الذي ترعرع أثناء الحقبة التاريخية لماو، اعتاد منذ فترة طويلة على هذا التمويه من جانب الحكومة: بداية من المزاعم الخاصة بحملة القفزة العظيمة للأمام فيما يتعلق بإنتاج الأرز، ووصولا إلى آخر أكذوبة بشأن الإجازة المرضية لوانغ. ويتمثل الفارق في الوقت الحالي، أنه قبل ظهور الإنترنت والمدونات المصغرة، كانت الشائعات المشهورة تنتشر من شخص إلى آخر، مع حدوث رواج محدود للغاية والاستمتاع بالاحتكار الافتراضي بالقصص الخرافية الرسمية. ولكن بمجرد ظهور الإنترنت، وعلى وجه الخصوص ظهور المدونات المصغرة على الساحة، سرعان ما صار الوصول إلى الشائعات عبر مواقع التواصل الاجتماعي أمرا أكثر أهمية وسهولة من وسائل الإعلام الرسمية، وتحطمت الأسطورة الرسمية الخاصة باحتكار الأخبار. وقد أدى هذا الأمر إلى اتخاذ الحكومة لإجراءات صارمة ليس لمنع الانتهاكات الفعلية فحسب، بل ومنع ما أطلقت عليه الشائعات الإلكترونية أيضا.

وبالنسبة للحكومة، تتمثل الطرق لوضع حد لهذه الشائعات الإلكترونية في التوقف عن نشر الأكاذيب. بيد أن الحكومة لن تفعل ذلك على الإطلاق، ومن ثم يستمر انتشار الشائعات الإلكترونية ونموها بشكل سريع، حتى بعد تطبيق الإجراءات الصارمة لمواجهة هذا الأمر.

السابق
فريق من المياومين رفض التواصل مع وزارة العمل
التالي
كتائب عبدالله عزام: سيستمر مشروع ماجد الماجد في ضرب ايران وحزبها