أي مواصفات رئاسية تفرضها المتغيرات الإقليمية؟

قطار «البحث عن رئيس» يتابع مساره نحو محطة أيار الحاسمة. لكن قواعد اللعبة الرئاسية مرشحة للتغيير على وقع المخاض الذي تشهده المنطقة وتشعباتها. فالذي يرى في هذا المخاض خيراً يتوقع ان «عدوى الخير» ستنسحب على قواعد انتخاب الرئيس في لبنان. وهذا من شأنه ترميم ما أصاب «الوظيفة الرئاسية» من تشوهات في الدور والممارسة. ولا مكان هنا «للتعفف». فالرئاسة حلم كل موارنة لبنان «من كبيرهم الى صغيرهم». حلم مشروع وليس تهمة تتحول لدى البعض إلى مجرد «أداة تعيير»، بعيداً عما يفترض أن تكون أقدس المهمات، أي «الخدمة العامة».

يشير مراقبون الى ان «الفترة الممتدة من اليوم الى أيار المقبل ستكون المنطقة معرضة لمتغيرات سريعة ومهمة». هذه المرحلة من شأنها أن تشهد الترجمة الفعلية لتطورات حصلت وستحصل على أكثر من محور: التقارب الروسي الأميركي وما نتج منه من اتفاق نووي بين إيران ودول 5+1، نتائج المفاوضات الفلسطينية الاسرائيلية والتطورات الميدانية المتلاحقة في سوريا. ويذهب «دولة» إيلي الفرزلي الى ترقب ما سيصدر عن «جنيف2»، فمن شأن الطبعة الثانية منه، برأيه، «أن تستتبع بتطورات إيجابية مع بيئة بلاد الشام، لأن المؤشرات تدل على ذهاب المنطقة الى تحالف ميداني بين أنظمتها برعاية دولية في صراعها ضد الإرهاب».

يرفض الفرزلي تضخيم الحديث عن الخوف من الفراغ الرئاسي. فهذا برأيه، يهدف الى جعل التمديد الرئاسي إمكانية خاضعة للنقاش. «التمديد أخطر من الفراغ، لا بل هو السبب الإلزامي لسقوط الدولة، وهذا ما شهدناه منذ عام 1947 ولغاية اليوم. حتى ان التمديد للرئيس الياس الهراوي، في ظل قوة تمسك بزمام الأمور على الأرض عام 1995، أسقط مشروع بناء الدولة بعدما شهد بين 1992 و1995 منحى بيانياً متصاعداً في اتجاه بناء الدولة وتوحيدها».

وفي ظل محاولات البعض «شيطنة» الفراغ و«تأليه» التمديد، يعتبر حريصون على موقع رئاسة الجمهورية أن المطلوب اليوم هو «رفض التمديد بكل أشكاله، والتأكيد على ضرورة إجراء الاستحقاق في موعده وإصدار قانون انتخاب لإعادة تشكيل السلطة بصورة عادلة في وضوحها». رأس الكنيسة المارونية البطريرك بشارة الراعي يكاد يكرر في كل عظة رفضه التمديد. يكرر هذا الرفض أمام كل زائر ماروني. رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان يكرر أيضا في كل مناسبة رفضه التمديد، لكن البعض يتهمه بأنه «يحاول تحويل التمديد الى مصلحة يطالب بها كل فريق تفاديا للفراغ»، فيما هم يرون أن «التمديد هو المقدمة لشرعنة الفراغ، أي أنه الفراغ المبطن، ونحن اليوم نعيشه بتمديد أو من دونه». برأي هؤلاء فإن «التمديد للفراغ يطرح جدوى الدستور والطائف برمّته».

في نادي المسيحيين، وتحديداً الموارنة، فشلت التعددية مراراً في إيقاف الاعتداء على الحقوق الدستورية للمسيحيين. ولعل الاعتداء «الأفقع» يتمثل في إجهاض كل محاولات التوصل الى قانون انتخاب جديد يؤمن الشراكة والتمثيل الفعلي، فيما يخشى اليوم من الإتيان برئيس لا يمثل حقيقة الوجدان المسيحي وليس قادراً على صناعة الشراكة الوطنية الحقيقية.

يذهب العماد ميشال عون في إيمانه بضرورة إيصال «الرئيس القوي» الى السدة الرئاسية الى حد ترشيح رئيس القوات اللبنانية سمير جعجع. «لم تكن مزحة»، يقول مؤيدوه الذين يعتبرون أن «الجنرال هو الوحيد القادر على تقديم الخدمات الاستراتيجية لصناعة الشراكة الوطنية وإعادة إنتاج الدولة القادرة والمطمئنة للجميع التي تحدث عنها الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله في خطاب النصر». زعيم المردة سليمان فرنجية حقوقه محفوظة في الطموح الرئاسي، ولكنه يقول علنا «أنا وراء الجنرال عون». الخوف اليوم، برأي متابعين للملف الرئاسي، يكمن في الإبقاء على المعادلة التي تعطّل الشريك المسيحي في الوجود والدور، والقائمة على ان «للشيعة زعيمهم وللسنة زعيمهم، ونأتي برئيس للمسيحيين مهمته إرضاء هذا وذاك والإبقاء على الانقسام المسيحي. والنتيجة بحرفيتها الطائفية في البلد الطائفي حتى النخاع: سقوط المسيحي». يرى هؤلاء أن «المطلوب هو تغيير مفهوم الوظائف الاستراتيجية الموكلة للرئيس القوي». هذا المفهوم يوجب إحداث انقلاب في الأسئلة. في الماضي كان الرئيس المطلوب هو الذي «يشكل أقل خطر على حزب الله ويخدم أكثر تيار المستقبل ويلعب الدور المطلوب في مناهضة سوريا وعدم الانجرار وراء الرئيس السوري. وأما اليوم، فيطرح أصحاب هذا المفهوم نوعية جديدة من المواصفات الرئاسية أن يكون قادراً على: صنع الخطاب اللبناني كترجمة للوفاق الاقليمي، طمأنة حزب الله بصوغ استراتيجية دفاعية طال انتظارها، النأي بلبنان عن حق، فلا يكون ممراً أو مقراً لعوامل عدم الاستقرار، ان يكون رأس حربة ضد الإرهاب، طمأنة المسيحيين بغالبيتهم الساحقة، طمأنة الجيش والدولة السورية عبر الممارسة لناحية الالتزام بالمواقف في الحرب والسلم، طمأنة بقية شرائح المجتمع اللبناني عبر صناعة مفهوم التشاركية الوطنية.

كل المتغيرات في لبنان وفي محيطه تفرض مثل هذه المواصفات المستجدة وبالتالي تنبئ بتغيير قواعد اللعبة الرئاسية.

السابق
إنهاء الازدواجية السنّية
التالي
هولاند في السعودية: لبنان سيحضر