الرئيس المقبل: للبنان أم لـ “حزب الله”؟

بدا خطاب الرئيس ميشال سليمان، في سرايا بعبدا، أشبه بخلاصة تجربة حكم و/ أو وصية عهد. تنافست فيه التحذيرات مع الطمأنات بما يزيد الغموض في شأن الشهور المقبلة واستحقاقاتها. لا شك أن أكثر ما يؤلم، ويقلق، أن التفاؤل الذي يشرعه الرئيس، مقتنعاً أو حريصاً على عدم تكدير النفوس، يبقى واقعياً لئلا يقع أيضاً في الخداع الذي يمارسه أهل السياسة الذين ربما يشعر ميشال سليمان في قرارة نفسه بأنهم جاؤوا من كوكب أو بلد آخر واختاروا – مثل سواهم – أرض لبنان ليتصارعوا عليها، ولذا بات كأنه يعدّ الأيام المتبقية للخلاص من منصب أصبح – منذ أيام “الوصاية السورية” السيئة الذكر – موضع شبهة لمن يُنتخب اليه أو يترشح له أو يُمدّد له فيه.

ثمة مرارات في طيّات كلام سليمان لعله يعرف أن غالبية اللبنانيين تشعر بها وتدركها، خصوصاً في اشارته الى “ازدواجية السيادة” وانتقاص منطقها، والى “إباحة الحدود” و”تداخل عناصر الاحتلال” وصولاً الى ما اعتبره “الأدهى” وهو أن “أي سلاح خارج منظومة الدولة ووحدة قرارها يتحوّل جزءاً من أدوات الصراع على السلطة أو الهيمنة أو قوة احتياط لتسعير النزاعات والحروب الأهلية”. ولعل أشدّ المرارات أن سليمان لم يستطع أن يقول قناعاته هذه إلا في منتصف السنة الأخيرة من ولايته وبعدما حسم أمره بعدم الرغبة أو السعي الى التمديد، لكن أيضاً بعدما انحسم أنه لم/ لن يستطيع رفع واقع هيمنة “حزب الله” على مقاليد البلد. ذاك أن واجبات “الرئيس التوافقي” سرعان ما أصبحت قيوداً سلبته حتى حرية التعبير عن مواقفه لا الرئاسية ولا الشخصية. فلا استطاع استجابة طموح “14 آذار” حين تدعو الى تعزيز الدولة وتمكينها باعتباره أبسط حقوق الشعب اللبناني، ولا استطاع طبعاً قبول الأمر الواقع بتشريع السلاح غير الشرعي باعتباره ضد منطق الدولة التي يُفترض أنه رمزها وحامي دستورها وقوانينها.
لم تتضاءل الدولة بإرادة ميشال سليمان، وكل ما فعله هو الحؤول دون انهيارها بعدما تسلّمها وقد أجهز عليها سلفه بتفانٍ عظيم في اخضاع الرئاسة كلّياً لـ”الوصاية” وتنصيب “دولة حزب الله” فوق “دولة جميع اللبنانيين”، كما في تجزئة المجتمع والانحياز لفئة ضد فئة. لكن القلق السائد حالياً من “الفراغ الرئاسي” وعدم اليقين الذي يكتنف انتخاب رئيس جديد يعكسان الخوف من انهيار فعلي. لكن “وصية سليمان” تكاد تعطي مشروعية للسؤال: لماذا يُنتخب رئيس جديد، هل ليَحكُم باسم الشعب اللبناني أم ليُحكَم من دمشق وطهران باسم “حزب الله” وسلاحه غير الشرعي الملطّخ بدم اللبنانيين والسوريين؟

السابق
النور والحزب والمنار والمنامة والتناقض
التالي
الانتفاضات في مواجهة الفتنة: من يزوّر الصراع السياسي ولماذا؟