ايران تفتح الأبواب لنفسها والحزب يقفلها صيغة 9- 9-6 لم تعد قابلة للترميم

حتى ما قبل اعلان “حزب الله” انخراطه عملياً في الحرب السورية الى جانب النظام، كان هناك تفهم اوروبي لا بأس به لكل المنطق الذي يعتمده الحزب في وجه خصومه الداخليين على قاعدة ان هناك صراعاً سياسياً داخلياً ومقاربة مختلفة لغالبية القضايا والمسائل الاساسية في البلد. الا ان الوضع اختلف كثيراً بعد تدخل الحزب في القتال في سوريا والذي يلتقي غالبية رؤساء البعثات الديبلوماسية على اعتباره خطأ جسيما ارتكبه الحزب حتى بين البعثات التي تقيم اتصالات مباشرة مع الحزب وتلتقي مسؤولين فيه . وبعض هؤلاء يبدو “مصدوماً” اذا صح التعبير من مخاطرة الحزب في تقديم أولوية اقليمية على الاولوية اللبنانية وفق ما يقولون بمعنى لعب الحزب اوراقه على المكشوف من دون اي مواربة او تغطية وربط الموضوع اللبناني ربطاً وثيقاً بالتطورات في سوريا سلباً او ايجاباً وتالياً تغييب الهامش اللبناني في حركته. كما يبدو متفاجئاً من ابتعاد يظهره الحزب عن اي رغبة في الحوار مع الآخر في لبنان وتلكؤه عن تلبية اي دعوة تصب في هذا الاطار حتى قبل الذرائع الامنية التي تزايدت أخيراً، وعلى غير ما كانت عليه الحال قبل الموقف العلني للحزب بالانخراط في الحرب الى جانب النظام حين كانت توجه بعض السفارات دعوات لنواب او سياسيين من قوى 8 و14 آذار للقاء بما يساعد على كسر الجليد وتخفيف التوتر.

وبالنسبة الى التطورات التي طرأت على الوضع الايراني نتيجة الاتفاق الذي وقعته ايران مع الدول الخمس الكبرى زائد المانيا حول ملفها النووي وفي ضوء ترقب ان ينعكس هذا الاتفاق ايجاباً على الوضع في لبنان، تابع هؤلاء الديبلوماسيون بقلق واهتمام ديبلوماسية ايرانية جديدة تحاول ان تبرز صورة جديدة للادارة الايرانية في ظل الرئيس حسن روحاني وسعي رئيس ديبلوماسيته الى فتح الأبواب المغلقة في الخليج العربي في مقابل بروز سياسة اقفال للأبواب تعتمدها قيادة الحزب ان اقليمياً او في لبنان. اذ انه مع الاجراءات المتزايدة لدول الخليج ضد الحزب، كان ثمة تصعيد كبير ومفاجىء الى حد ما ضد المملكة السعودية وفق ما جاء على لسان الأمين العام للحزب مساهماً في تشديد اقفال الأبواب العربية امامه وربما امام اللبنانيين ككل بما يطيح امكانات التفاهم الداخلي أيضاً. وفي ما تجد هذه السياسة المتناقضة تفسيراتها في الاعتقاد بان ملف الازمة السورية ككل وتبعا لذلك تدخل الحزب الى جانب النظام قد لا تكون في يد الادارة الايرانية الجديدة وان هناك عناوين اخرى لهذا الملف، وفق ما يرى بعض هؤلاء، فان هناك ادراكاً اكبر لصعوبة تأليف حكومة جديدة في لبنان في ظل هذا المعطى. اذ ان مقاربة موضوع التأليف الحكومي لا تصب في خانة التشجيع على المضي قدما في هذا الملف لا شكلاً ولا مضموناً خصوصاً بعدما اطلعت مصادر ديبلوماسية عدة من الرئيس المكلف تمام سلام على الاتصالات التي كادت تنجح في ولادة صيغة حكومية وفق معادلة 9 -9-6 لو لم تساهم مواقف تصعيدية للامين العام للحزب في تطييرها. وهذه المشاورات والمساعي لا يمكن استعادتها من النقطة التي توقفت عندها وفق ما يرى بعض هؤلاء لاعتقاد اساسي ان الحزب اراد من اسلوب المقاربة ان يجهض صيغة قد تنجح مساعي تأليف حكومة جديدة في التوصل اليها وهو يفضل ان تبقى حكومة تصريف الاعمال بديلاً منها نظراً الى انها تلبي مصالحه اكثر من اي حكومة اخرى. وتتفهم هذه المصادر عدم قدرة قوى 14 آذار بعد الآن على القبول بهذه الصيغة التي كان قبل بعض افرقائها بمناقشتها على القاعدة التي لا يزال يروج لها البعض اي انها تدخل قوى 14 آذار الى الحكومة وتعطي قوى 14 و8 آذار حقوقاً متساوية في الثلث المعطل. اما التفهم لرفض قوى 14 آذار هذه الصيغة، فبعيداً من السقف المرتفع حول عدم مشاركة الحزب في الحكومة في ظل استمراره في الحرب في سوريا، لا يعتقد ان هذه القوى قد تقبل على هذه الصيغة بعد مماحكات سياسية مستمرة من ثمانية اشهر مما سيحرجها امام اللبنانيين ويظهرها معرقلة لصيغة توافق رفضتها وسنحت للفراغ ان يؤثر على حياة اللبنانيين خلال كل هذه المدة فضلاً عن اعطائها صدقية للمنطق الذي يقول به الحزب من ان رهانه مع حلفائه هو الذي انتصر فيما خسر الطرف الآخر رهاناته وها هو يتجاوب تحت وطأة هذه الخسارة مما قد يتسبب لها باحراجات كبيرة ضمن مناصريها ويعقد اكثر الوضع السياسي. ولذلك تعتقد هذه المصادر ان الصيغة التي لا تزال ترفع والمتمثلة بـ9-9-6 قد لا تكون قابلة للصرف في الوضع السياسي راهناً وقد يتعين على المهتمين فعلاً بتأليف الحكومة واذا كان ثمة جدية في امكان تحقيق ذلك، ايجاد صيغة أخرى لا تحمل كل هذه التفسيرات ما لم يكن مقصوداً تسجيل انتصار طرف على آخر وليس انقاذ البلد او مصلحته من دون ان يعني ذلك تبني رأي الفريق الآخر لجهة تأليف حكومة حيادية على رغم ان لها منطقها المبرر أيضاً خصوصاً قبل اشهر قليلة من الانتخابات الرئاسية نظراً الى ان اي حكومة جديدة قد لا تحمل سوى عنوان تسهيل اجراء الاستحقاقات اللبنانية وتخفيف وطأة تداعيات الازمة السورية في الامور الاقتصادية والاجتماعية.

السابق
«الرصاصة الأخيرة» للجيش اللبناني
التالي
رسالة النقاط الست الأميركية: محاربة «الإرهاب التكفيري»