قلق بطرابلس من المجاهدين الجدد

لا يفارق القلق طرابلس، ولا تخفّف منه تطمينات مسؤولين قليلي الحيلة والصدقية، ولا خطط أمنية تجهض قبل أن تبصر النور. قلق عاصمة الشمال لم يعد مقتصراً على اندلاع المعارك على خطوط التماس، بل يكتسب أبعاداً جديدة يحملها معهم “العائدون من الجهاد في أرض الشام”.

بعد انفجاري السفارة الإيرانية الأسبوع الماضي، زاد منسوب القلق في طرابلس. القلق، هذه المرّة، ليس ناجماً عن خشية من أن تكون عاصمة الشمال مسرحاً لردّ الفعل، بل خوفاً من أن تكون هي مكان الفعل في حدّ ذاته، ومن انتقال الصراع في سوريا، بكل تعقيداته، إلى زواريب المدينة وأزقتها. صحيح أن المدينة لم تعرف الهدوء منذ سنوات، وأنها “اعتادت” على قادة المحاور ومسلّحي الزواريب. لكن معارك هؤلاء وحروبهم تبدو أشبه بـ”ألعاب الصبية” أمام جيل جديد من المسلحين ممن التحقوا بـالثورة السورية، وأقاموا صلة وصل بينها وبين “طرابلس الشام”، على خلفية عقائدية صرفة.

ففي الأشهر الأخيرة، غادر نحو عشرين شاباً المدينة إلى يبرود في منطقة القلمون في ريف دمشق الشرقي. هناك، حمل هؤلاء السلاح وتدربوا وقاتلوا في صفوف “جبهة النصرة”، قبل أن يعودوا أخيراً إلى طرابلس حيث استقبلوا بحفاوة.
مصادر سلفية، التقت بعضاً من هؤلاء العائدين من “الجهاد في أرض الشام”، تنقل عنهم دعوتهم إلى كل المشايخ، السلفيين وغيرهم، الى الذهاب فوراً إلى سوريا “للوقوف إلى جانب المجاهدين”. إذ إن “وجودنا هنا لا معنى له. معركتنا الكبرى هناك. وإذا سقط النظام السوري فإن لبنان كله، ومن ضمنه حزب الله، سنبلعه كشربة ماء”!

وأكدت المصادر السلفية أن “غالبية من يذهبون الى القتال ضد النظام في سوريا يفعلون ذلك وفق فتاوى مشايخ يتواصلون معهم عبر الإنترنت”، موضحة أن بعض مشايخ طرابلس “الذين يحرّضون ضد النظام السوري ويدعون الى الجهاد ضده، لا آلية واضحة لديهم لذلك، ولا حتى إمكانات، كما أن دعوتهم ليست أكثر من رد على قتال حزب الله في سوريا دعماً للنظام”.

وأضافت أن أغلب من يذهب إلى سوريا “لا يمون عليهم أحد”، وهم “يذهبون لتأدية فريضة الجهاد عن إيمان وعقيدة راسخة”، و”يدفعون تكاليف رحلاتهم من جيوبهم، ما يجعل قرارهم من رؤوسهم وليس مرتهناً لأي جهة”.
وأوضحت المصادر أن “المجاهدين يتواصلون في سوريا إما مع جبهة النصرة، على الأغلب، أو مع بعض المجموعات الإسلامية الأخرى”. وكشفت أن “هؤلاء الشبان ومن يتواصلون معهم في سوريا منزعجون جداً من تردد القوى السلفية والإسلامية في لبنان وتلكؤها في دعم الثوة السورية”. ونقلت أن أحد قادة تنظيم “الدولة الاسلامية في العراق والشام” (داعش) «اتصل مؤخراً بأحد المشايخ السلفيين البارزين في لبنان، وهدده قائلاً: بعد أن ننتهي من إسقاط النظام السوري سيأتي الدور عليكم، لأنكم تخاذلتم عن نصرتنا”.
ويبدي إسلاميون وسلفيون في طرابلس قلقهم من هذه الظاهرة “الخارجة عن السيطرة”، لأنها “تخرّج جيلاً متعصباً وتكفيرياً يجعل مشايخ أمثال سالم الرافعي وعمر بكري ونبيل رحيم ورائد حليحل معتدلين ومنفتحين إذا ما قورنوا بهم”.

ويشكو مشايخ سلفيون في المدينة من أن “لا أحد يتعاون معنا لمنع هذه الظاهرة من الانتشار، ومن تحوّلها قنبلة موقوتة يمكن أن تنفجر في أي لحظة”، مع إدراكهم أن “أي تسوية قد تحصل في المنطقة، سياسياً وأمنياً، ستكون على حساب هؤلاء وحسابنا في الدرجة الأولى”. ويأتي على رأس هذه “الجهات غير المتعاونة” مع السلفيين، أولاً، “حزب الله” الذي “جعل قتاله إلى جانب النظام السوري ضبط الشارع السني في لبنان أمراً مستحيلاً”. كما يطال الانتقاد، ثانياً، السياسيين الذين “لا يتعاونون معنا إلا على أساس انتخابي”، وثالثاً القضاء اللبناني الذي “لا يُسرّع إنهاء ملفات الموقوفين الإسلاميين لتبريد الأجواء وتنفيس الاحتقان قليلاً”، ورابعاً، الأجهزة الأمنية التي “لم تتعاط مع تفجيري مسجدي طرابلس بالجدّية نفسها التي تعاطت بها في ملفات أخرى”.

ويحذر مشايخ سلفيون وغير سلفيين من أنه “إذا لم تتخذ السلطات والأجهزة الأمنية المعنية خطوة جدية لجهة توقيف أو جلب المشتبه بهم في التفجيرين للتحقيق، وعلى رأسهم النائب السابق علي عيد، سنسحب يدنا من الوساطة وننفضها من القضية، ونصارح أهالي الشهداء والجرحى وأهالي طرابلس بأنه لم يعد بأيدينا ما نستطيع القيام به، وأن يسعوا لأخذ حقهم بأنفسهم”.

السابق
غموض بنّاء بمعركة تسويق النووي
التالي
“كفى” تُكافح العنف ضد المرأة