شروط «المستقبل» تعرقل الحلول الداخلية

وضع رئيس الجمهورية ميشال سليمان، في كلمته امام «منتدى اعلان بعبدا»، نقاطا واضحة على حروف «إعلان بعبدا» بقوله «ان سبب إصدار هذا الإعلان هو بدء دخول السلاح والمسلحين من شمالي لبنان الى سوريا»، وهو الأمر الذي كان يتجنبه لبنان الرسمي ويحاول ان يبعد كأسه المرة عنه، لكن الضغوط السياسية والأمنية التي مارستها يومها «قوى 14 آذار»، مدعومة من بعض الدول العربية والغربية، على الرؤساء والوزراء المعنيين وحتى على القادة الأمنيين المعنيين، بحجة «دعم ثورة الشعب السوري»، سمحت بفلتان الحدود على غاربها، حتى صارت الحدود مع سوريا مصدرا أساسيا وسهلا للتدخل اللبناني المسلح في الأزمة السورية، عدا عن انها صارت مركزا لتجميع المسلحين لتنفيذ أهداف أخرى في لبنان خدمة لأغراض أطراف سياسية لبنانية، ولم يكن تدخل «حزب الله» المتأخر إلا لأسباب أخرى لا تهدف الى المساهمة في عملية تخريب سوريا كما فعل الآخرون.
ولعل كلام الرئيس سليمان لسبب «اعلان بعبدا»، اوضح ان أصل المشكلة هو بداية تدخل طرف لبناني بالأزمة السورية، الامر الذي جرّ إلى تدخل أطراف أخرى، مع اختلاف أسباب وأهداف كل طرف لهذا التدخل المباشر، لكن الفارق ان «حزب الله» لم ينفِ تدخله بينما الآخرون ينفون كل يوم بينما الوقائع تثبت تورطهم، خاصة بعد حادثة التعرض للعسكريين في عرسال وتغطية المرتكبين من قبل هذا الفريق السياسي وزيارات الدعم المتواصلة له للبلدة المنكوبة بوجود مئات المسلحين، وبعد حادثة مقتل عدد من الشبان اللبنانيين الشماليين في ما سمي «كمين تلكلخ» قبل اشهر، واضطرار الدولة للتدخل مع السلطات السورية من اجل تسليم جثامين الضحايا، وصولا اخيرا الى تبرير جريمة التفجير امام السفارة الايرانية بانها بسبب تدخل الحزب في سوريا.
ويتوقف المتابعون عند استخدام «فريق 14 آذار» «اعتراف حزب الله» بالتدخل عسكريا في معركة القصير وما بعدها، حجة سياسية لفرض شروط عليه تتعلق تارة بتشكيل الحكومة وطورا بانعقاد هيئة الحوار الوطني، ومرة لمنع نجاح الخطط الامنية في طرابلس، مع ان تمسك هذا الفريق بسياسة النأي بالنفس، يفترض ان يدفعه لعزل الموضوع السوري عن مشكلات لبنان وأزماته الداخلية، لأن مشكلات لبنان في جزء كبير منها تتعلق بمصير ومصالح مؤسسات الدولة والمواطنين وبالوضع الاقتصادي المتردي .
ولا يخفي «فريق 14 آذار» بعد الإعلان السعودي عن الاستياء من تدخل «حزب الله» في معركة القصير، ان هذا التدخل قد غيّر معادلات المعركة في سوريا وقلب الموازين وأفقده أوراقا مهمة في اللعبة السورية، خاصة ان الجيش السوري تمكن بعد القصير من استكمال بسط سيطرة الدولة السورية على مناطق كثيرة جنوبا وشمالا وفي الوسط، وهو يخوض منذ ثلاثة اسابيع فعلياً عملية قضم تدريجي لقرى منطقة القلمون المحاذية للبنان، حيث يتجمع آلاف المسلحين عند الحدود الجاهزين للانقضاض على الوضع اللبناني وزيادة حجم التعقيدات السياسية والامنية فيه.
وتستغرب الاوساط المتابعة منطق «تيار المستقبل» الذي يريد ان يوقف تدخل «حزب الله» العسكري في سوريا، بينما يجيز لنفسه ولحلفائه دعم المسلحين اللبنانيين وغير اللبنانيين العسكري والمالي واللوجستي للتدخل، ومحاولة احداث فارق نوعي على الارض ضد الدولة السورية، بل يذهب الى حد التغطية على دخول مجموعات ارهابية تكفيرية، لا مصلحة للبنان في فتح ابوابه امامها، بعد التجارب المريرة التي شهدتها اكثر من دولة عربية وغربية من جراء اعمالها العسكرية.
وتعتبر الاوساط ان ربط «المستقبل « استقرار لبنان وحل ازماته بوقف تدخل «حزب الله» في سوريا، هو الذي يعرقل عمليا تحقيق سياسة النأي بالنفس وحل الازمات السياسية القائمة، ومنها ازمة تشكيل الحكومة، ويسبب حرجا للدولة، وبخاصة لرئيسي الجمهورية والحكومة، وكأن المطلوب هو ضرب كل مقومات الدولة لإعادة السيطرة على مؤسساتها، كما انه امتداد للشروط التعجيزية التي تضعها دول عربية وغربية امام انعقاد مؤتمر»جنيف 2» برفض مشاركة ايران في هذا المؤتمر، ما يعني ايضا الاصرار على ربط لبنان بكل ازمات المنطقة وتركه فريسة للمستقبل المجهول اذا استمرت الازمة السورية بلا حل سياسي.
السابق
سليمان العطّار…
التالي
8 و14 آذار يفسحان لـ«القاعدة» مكاناً بينهما