المطلوب مرشحون علنيون لا سريون

هناك الكثير من الإلتباسات في السياسة اللبنانية بحيث ينقلب الأسود أبيض والأبيض أسود من دون رفة جفن. أبرز هذه الإلتباسات أن الأمور البديهية تقول إن الإقتراع سري فيما الترشيح علني، لكن الترجمة اللبنانية لهذه البديهية تُصبح أن الترشيح سري فيما الإقتراع علني!
تلك هي حال الإعداد لإنتخابات رئاسة الجمهورية في أيار المقبل، فبعد أن حسم الرئيس العماد ميشال سليمان أمره وأعلن انه سيُسلِّم الأمانة للمرة الأولى بطريقة طبيعية منذ أربعين عاماً، وبعد أن لقي تنويهاً على هذا الموقف، بدأ السباق الرئاسي ولكن بالسرّ، كل ماروني مرشَّح حتى إثبات العكس، لكن ليس هناك من ماروني مرشَّح بشكلٍ علني، كلُّهُم مرشَّحون بالسر، وإذا فاتحت أحداً منهم بالموضوع أجاب بسرعةٍ قياسية أعوذ بالله، أنا لست مرشحاً، مع انه يكون يسعى ليل نهار ليحظى بتأييد المرجعيات ورؤساء الكتل، ولا يكتفي بالسعي، بل يزورهم تحت جنح الظلام ويحرص على أن تكون هذه الزيارات سرية علماً أن لا سر في هذا البلد.

لكن، لماذا هذا الإصرار على السرية؟
لماذا لا يتحلى المرشَّحون بجرأة إعلان ترشحهم واستطراداً إعلان برامجهم؟
هل من بلدٍ في العالم ينتخب رئيساً يهبط بالمظلة؟
هل من مجلس نواب في العالم ينتظر أن يهبط الوحي عليه ليعرف الإسم الذي سيخرج من صندوق الإقتراع؟
لماذا لا نتشبَّه بغيرنا من الدول؟
في اليمن، مثلاً، يُفتَح باب الترشيح لمنصب الرئاسة قبل تسعين يوماً من انتهاء المهلة الدستورية للرئيس. ولا يجوز إجراء الإنتخابات الرئاسية بأقل من اثنين من المرشحين وهذا يعني ان لا مرشحاً واحداً يكون انتخابه أقرب إلى التعيين مما هو إنتخاب، كما يجري عندنا في غالب الأحيان.
وفي اليمن أيضاً، على كل مرشح لإنتخابات الرئاسة أن يقوم بمهرجان خطابي في عاصمة كل محافظة، ويحق له عقد ندوات ومؤتمرات صحافية لعرض برنامجه الإنتخابي.
هذا في اليمن فماذا عندنا؟

لا ترشيحات، لا جولات على الناس، لا مؤتمرات صحافية لعرض البرنامج الإنتخابي، فهل الديمقراطية اليمنية أفضل من ديمقراطيتنا؟

حتى في افغانستان الوضع أفضل من الوضع عندنا. فهناك بدأت الترشيحات هذا الشهر لتجرى الإنتخابات في نيسان المقبل، وعلى كل مرشح أن يستحوذ على مئة ألف بطاقة ناخب، أي مؤيِّد، تُثبت أن لديه شبكة من المؤيدين.

هذه عيِّنة من بعض الدول التي نتغنى اننا نتقدَّم عليها في الديمقراطية، فماذا لو تحدثنا عن الديمقراطية الأميركية أو الفرنسية أو الكندية؟
هناك المناظرات والمواصفات والتدقيق في كل شيء، أمّا هنا فلا مناظرات ولا مواصفات ولا تدقيق!
إن هذه الديمقراطية المتعثِّرة يجب أن يوضَع حدٌّ لها لتحل محلها الديمقراطية الشفَّافة. إن ألف باء هذه الديمقراطية تتضمَّن البنود التالية:
المواصفات:
وتندرج تحت هذه الخانة صفات الإعتدال والنزاهة والجرأة.
البرنامج:
ويندرج تحت هذه الخانة المشروع الإنتخابي للمرشَّح الذي يُفتَرض أن يكون موضع افتخار لا موضع حياء، وكأن المرشح يخجل من كونه مرشحاً.

هل يملك المرشحون جرأة أن يكونوا من الآن فصاعداً مرشحين في بلدٍ يحترم شعبه ولا يتعاطى معهم على انهم بسيطين؟

السابق
عودة الحرارة الى هاتف حزب الله ـ الدوحة
التالي
الحكيم الافريقي