الأسباب الحقيقية للفراغ والتفجير

لا الثلث المعطل هو السبب الحقيقي لتعثّر تأليف حكومة جديدة، ولا البيان الوزاري، ولا شكلها ولا حجم التمثيل فيها.
لا حاجة أصلاً للثلث المعطل، لأن “حزب الله” قادر بما يملك من قوة سياسية وتنظيمية وشعبية أن يُعطّل ما يشاء وساعة يشاء. أما البيان الوزاري فلا أبرع من السياسيين اللبنانيين في ابتكار التعابير الإنشائية وصياغتها في مفردات برّاقة يمكن تفسيرها في شتّى الإتجاهات.

لم تنضج الظروف الإقليمية بعد. كان الرهان على نتائج المعارك الدائرة في سوريا، لاستثمارها في ميزان القوى في تأليف الحكومة لبنانياً، ثم على الضربة العسكرية ضد النظام السوري لاتهامه بتجاوز الخط الأحمر باستخدام السلاح الكيماوي. وانتقل الرهان اليوم على مفاعيل الإتفاق الأميركي – الروسي.

تعتقد طهران أنها كسبت ودّ الولايات المتحدة الأميركية، وإن مِن حقّها أن تقبض ثمن مفاوضاتها مع واشنطن واستعدادها للتخلّي عن إنتاج السلاح النووي. ويعتقد حلفاؤها أن ميزان القوى الجديد يصبّ في مصلحتها، وأن الوقت يقترب لكي تقطف ثمار رهاناتها في الداخل.

أما المملكة العربية السعودية فلا ترى أن المفاوضات الأميركية – الإيرانية يمكن أن تصل إلى اتفاق على المستوى الإستراتيجي، وترفض أن تقدّم أي تنازلات مجاناً سواء على الصعيد الإقليمي أو اللبناني، خصوصاً وإن التجارب أثبتت أن إيران كلّما واجهت خطراً حقيقياً “فرملت” برنامجها النووي.
في العام 2003 عندما شعر القادة في طهران أن الولايات المتحدة ستوسّع حربها في العراق لقلب النظام الإيراني، جمّدوا الأنشطة النووية ثم استأنفوها لاحقاً، وأنتجوا صواريخ بعيدة المدى.

واليوم، وبعدما باتت العقوبات الدولية تُشكل تهديداً خطيراً للنظام الإيراني، إتخذت طهران قراراً مُهماً بتأجيل البرنامج، على أمل وقف العقوبات، مع احتفاظها بإمكان إنتاج سلاح نووي في وقت مناسب في المستقبل.

منذ الثورة الإيرانية عام 1979، يُحاول كل رئيس أميركي التفاوض مع إيران، ولا يصل إلى نهاية سعيدة. إعتذرت مادلين أولبرايت من طهران عندما كانت وزيرة للخارجية الأميركية، ظناً من الإدارة الأميركية أنها قد تفتح ثغرة في جدار العلاقات بين البلدين. وفاوض الأوروبيون الرئيس الإصلاحي محمد خاتمي على مدى خمس سنوات، لكن النتيجة كانت صفراً.

هناك مَن يعتقد أن “الملالي” في إيران يستغلون حماسة الرئيس باراك أوباما للتفاوض معهم، بينما في الحقيقة، لا معتدلين في النظام الإيراني، وإن الرئيس حسن روحاني أخطر من الرئيس السابق أحمدي نجاد (يصفونه بأنه كان كثير الكلام وقليل الفعل).ويؤكد هؤلاء أن روحاني اختير أساساً لهذه المهمة، في سبيل كسب الوقت، ولن يُغيّر في مصالح النظام الإستراتيجية.

من هنا تبدو مواقف القوى الإقليمية متناقضة ومتباعدة، ما ينعكس على الواقع اللبناني ويحول دون تسجيل أي خرق، سواء في ملف تأليف الحكومة أو غيرها من الملفات المجمّدة، نظراً الى التأثير الإقليمي الكبير والحاسم على القوى السياسية المحلية.

في غضون ذلك، يبقى الأمن رهينة كرّ وفرّ بين الأجهزة الأمنية والمجموعات المسلّحة والخلايا الإرهابية، وتبقى الأوضاع مفتوحة على كل الإحتمالات والمفاجآت، في ظل ما تشهده البلاد من فراغ وفوضى.

السابق
ليس المطلوب كثرة المرشحين بل نوعية
التالي
بحر من الجثث