حكومة مع حزب الله أم لتفرّده بالحكم؟

التراجُع عن تأليف حكومة حياديّة وضع قوى 14 آذار أمام خيارين كلاهما أسوأ من الآخر: إما المشاركة مع «حزب الله» في حكومة واحدة في خطوة تشكّل تراجعاً عن شرط انسحابه من سوريا، أو تفرّد الحزب بإدارة الموقف الرسمي اللبناني بعد الفراغ الرئاسي واستمرار الحكومة الميقاتية.
برزت في الآونة الأخيرة مجموعة مؤشرات دلّت على وجود مساعٍ جدية خلف الكواليس لتأليف الحكومة، وأبرز هذه المؤشرات تكمن في الآتي:

أولاً، إستبدال الرئيس ميشال سليمان عنوان الحكومة الحيادية بالحكومة الجامعة وإصراره على التأليف.

ثانياً، غياب موقف واضح وصريح من قوى 14 آذار مجتمعة برفض المشاركة في حكومة جامعة.

ثالثاً، اللقاءات الدورية بين سليمان ورئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد.

رابعاً، صدور بيان توضيحي عن رئاسة الجمهورية حول “إعلان بعبدا” تضمّن “جملةً مفتاح” تشدّد على أنّ الإعلان لم “يتضمّن أيّ نصّ يتعلق بالمقاومة وسلاحها، ولم يتطرّق إلى كيفية الاستفادة من المقاومة وسلاحها”.

خامساً، تخلّي “حزب الله”، وفق ما تَردّد، عن تمسكه بثلاثية “الجيش والشعب والمقاومة”.

سادساً، توظيف موقف المجتمع الدولي الذي يضع في سلم أولوياته تحييد لبنان عن الأزمة السورية، وذلك عبر إقناع هذا المجتمع بأنّ الطريق إلى النأي بالنفس تبدأ بتشكيل حكومة جامعة.

فكلّ المؤشرات أعلاه، فضلاً عن إعلان سليمان تفضيله التأليف قبل ذهابه إلى نيويورك، ومن ثمّ الحراك السياسي الذي يقوم به رئيسا الجمهورية والمجلس النيابي معطوفاً على وضع الأزمة السورية على سكّة الحل الديبلوماسي الطويل نسبياً، مع ما يعني ذلك من عودة الأولوية إلى الملفات المحلية وفي طليعتها الحكومية، وبالتالي كل ذلك يدلّ إلى وجود “طبخة” على نار حامية.

ولكنّ المسألة التي لا تزال عالقة في موازاة كل هذا المشهد تتمثل في الموقف السعودي والمعادلة التقليدية الآتية: كيف يمكن للرياض التي تخوض معركة رأس حربة ضدّ إيران في سوريا أن تتقاطع معها في لبنان؟ وكيف يمكن للسعودية التي يكاد لا يخلو أيّ بيان من بيانات مجلس التعاون من ذكر “حزب الله” والتنديد بدوره أن توافق على مساكنة “المستقبل” له في الحكومات؟

وبانتظار معرفة التوجه السعودي بالنسبة إلى الملف اللبناني، كما معرفة ما إذا كانت خريطة الطريق الدولية للكيماوي السوري ستشمل وضع خريطة مماثلة للأزمة السورية، يدخل كل من سوريا ولبنان في مرحلة جديدة قد لا تكون شبيهة بالمرحلة التي سبقت الأزمة الكيماوية كون النظام السوري بات خاضعاً إلى رقابة مشدّدة، إنما المؤكد هو أنّ المعارك الميدانية ستتواصل في ظلّ ميزان قوى لن يسمح لأيّ طرف بكسر الآخر، فيما الجمود السياسي سيطبع الحياة السياسية اللبنانية، إلّا في حال نجحت المساعي الحكومية في تذليل العقبة الإقليمية، من دون التقليل من المخاوف من عودة التفجيرات التي علقت مع استفحال الأزمة الكيماوية.

وفي موازاة كل هذا المشهد والتطورات والتحولات التي دلت أنّ التسوية الإقليمية تُطبخ على نار هادئة يبقى على 14 آذار أن تختار بين السيّئ والأسوأ، أي بين المساكنة مع “حزب الله” في حكومة ترأسها شخصية 14 آذارية على رغم تداعيات هذه المساكنة من تراجع الحركة الاستقلالية عن أحد مواقفها المبدئية المتصل باشتراط انسحاب الحزب من سوريا قبل أيّ بحث في حكومة جامعة، إلى خطورة تغطية قتال الحزب حكومياً وجعل الموقف الرسمي اللبناني في مواجهة مع الشرعيّتين العربية والدولية والشعب السوري، وبين الخيار الأسوأ المتمثل باستمرار الوضع بين حكومة مستقيلة ورئيس حكومة مكلّف، وخروج سليمان من بعبدا في أيار 2014 مع ترجيح احتمال الفراغ الرئاسي، ما يجعل مفتاح القرار الرسمي اللبناني برمته في الضاحية الجنوبية، وبالتالي إذا كانت المساكنة الخيار السيّئ، فإن استئثار “حزب الله” بالقرار الرسمي اللبناني هو الخيار الأسوأ.

وفي مراجعة بسيطة يُظهر حكم السنوات السابقة أنّ الإطلالة على الموقف الخارجي تتمّ عبر القنوات الرسمية وتحديداً بواسطة رئيسَي الجمهورية والحكومة، وبالتالي الأولوية هي لدخول الرئيس تمام سلام إلى السراي الحكومي لإدارة الملف اللبناني بتشعباته الداخلية والخارجية، ولا سيما مواكبة التسويات المرتقبة بغية أن تكون 14 آذار في موقع القرار في مرحلة هي من أدق المراحل التي تجتازها المنطقة، خصوصاً أن المبادرة في يد رئيس الحكومة، فضلاً عن الحاجة إلى تعيين وزير للخارجية من طينة سليمان وسلام، وكما أنّ التأليف لا يحول دون مواصلة الاشتباك مع “حزب الله” على خلفية قتاله السوري وما يسمّى بدوره المقاوم.

السابق
حزب الله الرّمادي للبنانيين: يا أبيض يا أسود
التالي
الوجه الآخر لبطولة الأسد