الوجه الآخر لبطولة الأسد

المفتونون ببشار الأسد يعيشون على وهج «بطولاته» دائماً. فالجريمة والقهر والقمع واستخدام الأوراق الطائفية وفتح الباب للتدخل الخارجي… بطولة.
تصدير الإرهاب شرقاً وغرباً، و«تفخيخ» وزراء ومسؤولين وجهاديين لاستخدامهم بما يترجم كلام «القائد» ورؤيته الثاقبة عن تمدّد النار السورية… ايضاً بطولة.
تحمُّل الغارات الاسرائيلية الواحدة تلو الاخرى بطولة.

تمزيق السوريين أشلاء وتسوية منازلهم وقراهم وأحيائهم بالارض بالقصف الجوي والبري وجنازير الدبابات والجرافات… بطولة.
إحراق السوريين بالكيماوي وتوزيع الحلوى والعصائر ابتهاجاً بمجزرة الغوطة في المناطق التي يسيطر عليها النظام… بطولة.
توسيط العالم بأسره لتفادي ضربة غربية والموافقة علناً على تسليم المخزون الكيماوي، وربما سراً على ما هو اكثر من ذلك… بطولة.

بهذه الصورة يبدو عنف الأسد وبطشه ضد شعبه بطولة، وكذلك الأمر استكانته في مواجهة اسرائيل واميركا والعالم. لكن المفتونين به يصفّقون له ويمجّدونه في الحالتين، فهو في الداخل السوري عندما يتعامل مع شعبه يتجاوز عقدة الحلقة الطائفية المحيطة به ومحورها: «لو كان ابوك عايش ما كانوا استرجوا يعملو هيك»، فيتقدم على والده بالقمع والقتل والتنكيل. وعندما يتعامل مع الخارج يتجاوز عقدة مماثلة محورها «النظام اولا»، فطالما بقي النظام موجوداً يمكن لاحقاً تثبيت موقعه وإعادة بسط نفوذه والامساك بالاوراق الاقليمية… ألم يخض صدام حسين حرباً ضد ايران ممزقاً اتفاقية الجزائر ثم تنازل لها لاحقاً عندما غزا الكويت عن مساحات من الاراضي تفوق بكثير ما قاتل من اجله؟ ألم يَقتل نصف مليون عراقي في البصرة ووافق على كل الشروط الاميركية لوقف الحرب؟ ألم يَحرق الاكراد بالكيماوي ويفتح لاحقاً منشآته للتفتيش الدولي بما في ذلك قصوره؟ ألم يهدد بالويل والثبور وعظائم الامور علناً ويرسل الوسطاء الى الاميركيين مستعداً لتسليمهم كل شيء بما فيه النفط و«البعث» مقابل إبقائه في السلطة؟ ألم يكن «بطلاً» عند محبيه حتى عندما فرّ من مواجهة «الغزاة» واختبأ في حفرة بعدما ملأ الدنيا شعارات بأنه سيقاتل «حتى الاستشهاد»؟

«النظام اولا»، حتى لو تقلص من حالة وطنية الى حالة بعثية الى حالة طائفية الى حالة عائلية الى عائلة واحدة.

في حديثه الاخير الى مراسل قناة «سي بي اس» الاميركية يقول له المحاور: انت جزار. يبتسم الأسد بهدوء ويردّ بانه طبيب وعندما يجد قدماً مصابة بالغرغرينا يبترها ليحمي الجسد، وهنا الفارق من وجهة نظره بين مَن يعتبره جزاراً ومن يعتبره طبيباً.

كلام الأسد هنا عند «شبيحته» نوع من البطولة لانه في نظرهم يتقن لغة العالم الغربي ولم يقع في الاستفزاز. وكلامه بالنسبة لكل الآخرين نوع من النفاق والكذب لا يستحق التعليق، ولنتخيّل فقط ان الأسد يزور مكاناً عاماً في سورية وهتف احد الشبان المعارضين: «انت جزار»، اي الكلمة نفسها التي استخدمها المراسل الاميركي، طبعاً ستتفرغ كل مخازن رصاص المرافقين في جسده… بطولة.

تقصف اسرائيل فرق الأسد العسكرية، مثنى وثلاثاً ورباعاً، فلا يرد من باب البطولة، أما أطفال درعا فإن كتبوا شعارات على جدار المدرسة تُسحب اظافرهم ويُعتقل آباؤهم وتُشتم أعراضهم.

تهدد اساطيل العالم بضرب الأسد فيردّ – من باب البطولة – بأنه يخشى ان يؤدي ذلك الى إضعاف قواه العسكرية واختلال ميزان القوى، أما الشبان الذين رفعوا شعارات إصلاحية وقدموا الورد والماء للجيش السوري فيُعتقلون ويعادون الى اهلهم مقطّعين بلا أحشاء.

يقول له المسؤولون الدوليون انه مجرم حرب وسيدفع ثمن أفعاله، فيردّ – من باب البطولة – بإرسال الموفدين وفتح أبواب الصفقات حتى مع اسرائيل كي يبقى النظام، أما عندما خرجت التظاهرات السلمية فكان الردّ عليها بكل أنواع الاسلحة، وعندما صارت المقاومات مسلحة تدرّج الردّ وصولاً الى الضرب بالكيماوي.
بقاء الأسد في السلطة بأي ثمن هو البطولة الحقيقية… الباقي تفاصيل.

السابق
حكومة مع حزب الله أم لتفرّده بالحكم؟
التالي
السادية ليست شاذة بل شائعة