عودة الدبّ الروسي

ليس من فراغ، أو من باب المبالغة وُلدت صيغة أو صفة “الأميركي البشع”، ولاقت صدى ورواجاً على نطاق دولي، ولفترة زمنيَّة طويلة.

 

وليس من صنع المصادفة أن تكون الهزيمة من نصيب هذا “الأميركي البشع” في كل غزواته “الرينغويّة” التي خاضها على طريقة الكاوبوي الدائم التفوُّق جون واين. من فيتنام الى أفغانستان فالعراق، على سبيل المثال لا الحصر.

ربما ساهمت هذه التجارب القاسية، التي استيقظت متأخرة في ذاكرة الرئيس باراك أوباما، في اللجوء الى التريُّث والتأني واشراك الكونغرس والرأي العام الأميركي في قرار “الضربة” التي لم يُكتب لها أن تترجم… على الأرض السورية او تغادر الصواريخ الفتاكة راجماتها.

ثمة مَنْ فسَّر التراجع التراجيدي الذي لجأ اليه أوباما بأنه لا يختلف عن الاستغاثة. استنجد بالداخل والخارج: أغيثوني.

في هذا الوقت كان القيصر الروسي يتمشَّى في الكرملين، وعن يمينه دبٌ أبيض أصيل لا يضحك حتى مصادفة. وحتى لو ضحك رئيسه الذي يستطيع أن يعدَّ المرات التي ابتسم فيها.

فاستجابت موسكو لاستغاثة الاستاذ الجامعي المقيم في البيت الأبيض، ودعته لملاقاتها في منتصف الطريق، وعلى اساس ارجاء الضربة أو ابدالها بصفقة تضع السلاح الكيميائي السوري في عهدة الامم المتحدة، مثلاً.

على الرحب والسعة، كان جواب جون كيري وهو يتلقّى النبأ.

والتفاصيل التي تَلَت هذا التطوُّر تتابع مسيرتها في طريق قد يوصل يوماً الى حلّ ما في سوريا، وكما قد يكون مصيره السقوط في بحر الظلمات… أو في بحر الدماء.

المهم هنا، والقصد من التركيز على أحداث مضت، هو الاشارة الى عودة الدب الروسي، وعودة الروسيا بكل ثقلها وما تمثل الى حلبة الصراع الدولي، بعدما أتاحت لها زلّة قدم أو زلّة لسان الرئيس الاميركي فرصة رجوع الشيخ الى صباه.

“نحن هنا”، أراد بوتين أن يقول لـ”زعيمة العالم الحر”، ولذاك الرينغو الذي تبيّن انه لم يغادر شاشات السينما. مثلما تبيَّن حجم الهزال الذي أُصيبت به إمبراطورية العصر… كذلك الأمر والحال، بالنسبة الى حلفائها الاوروبيين الذين تواروا عن الأنظار، وغابوا عن السمع عندما طلب أوباما مساندتهم.

حتى بدا خلال أيام معدودة أنَّ عصراً، بكل عظمته وانجازاته ومكانته في التاريخ والجغرافيا، بدأ يلملم أطرافه وأغراضه استعداداً للرحيل، واخلاء الساحة لعصر جديد ستكون فيه الروسيا شريكاً رئيسيّاً، والتساوي مع أميركا… وخصوصاً في الشرق الأوسط. والمياه الدافئة. والثروات الطائلة.

وقد تُتاح فرصة جديدة للبنان، ولمن يدعونهم “الأقليّات” وهم في الأصل أهل الأرض والقضية.

ولكن، ماذا سيحلُّ بالقضيَّة “الأم”، بالحرب السورية المدمِّرة؟

السابق
سوريا.. بل هي لعبة!
التالي
اجتماع نيويورك لدعم لبنان