الاستقرار الداخلي يظلّله قرار دولي

كل محاولات رئيس الجمهورية ميشال سليمان دفع جهود تأليف الحكومة، مستفيدا من مناخ إيجابي داخلي رافق دعوته لحكومة “جامعة وعادلة”، ومن مخاوف من الارتدادات السلبية للضربة العسكرية على سوريا والحاجة الى تحصين الجبهة الداخلية، باءت بالفشل بعدما اصطدمت بأكثر من رفض وعلى أكثر من جبهة، وهو ما دفع رئيس الحكومة المكلف تمام سلام مع طي الشهر الخامس على التكليف إلى إعلانه من على باب قصر بعبدا أمس، منعا للتأويل أو الاجتهاد.

فكل المناخات الايجابية والمواعيد التي أطلقت من دون تردد أو تحفظ عن ولادة حكومية وشيكة في نهاية آب الماضي أو قبل الضربة الاميركية المرتقبة، سقطت في ظل استمرار العقد التي حالت سابقا ولا تزال تحول دون نضج التشكيلة الحكومية العتيدة، بحيث بدا أن كل تلك التوقعات لم تعد كونها تمنيات أو حسن نيات في فهم مواقف فريقي الصراع على ضفتي 8 و14 آذار.
ففي حين بدا خلال الايام القليلة الماضية من حركة الاتصالات الكثيفة أن ثمة نية جدية لإنضاج الطبخة الحكومية نتيجة أكثر من عامل، عادت الامور إلى مربعها الاول لتُغرق الرئيس المكلف مجددا في مستنقع الشروط والشروط المضادة، وهو الامر الذي أعاد تأكيده بعد لقائه رئيس الجمهورية أمس ناعياً بكلامه أي حظوظ لقيام حكومة في المدى القريب، وقاطعا الطريق على كل التأويلات والاجتهادات بتراجع الشروط والشروط المضادة.
فكل الكلام عن تقدم في مسألة شكل الحكومة (سياسية وليست حيادية بما يرضي حزب الله بتراجع “تيار المستقبل” عن شرطه عدم مشاركة الحزب قبل خروجه من سوريا) لم يقابل بأي تنازل من “حزب الله”، علما ان أي موقف علني للتيار لم يصدر ليؤكد تراجعه عن شرطه، بل ثمة من يؤكد أنه لا يزال متشددا في هذا الشأن. أما الحزب فقد عاد ليؤكد شرطه الاول والرامي إلى حصوله مع القوى الحليفة له على الثلث المعطل في الحكومة العتيدة، وأن يأتي التمثيل وفق الاحجام والاوزان النيابية للقوى السياسية.
لكن الواقع أن الحزب يتخذ من مسألة الثلث المعطل الذريعة لعدم السير بالحكومة، ذلك أن العقدة الاساسية تكمن في ثلاثية الجيش والشعب والمقاومة التي يرفض الحزب في أي شكل التنازل عنها واستبدالها بـ”إعلان بعبدا”. وهو الذي كان نعى أساسا هذا الاعلان على لسان رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد قبل أسابيع قليلة.
وهذا الواقع يقود إلى خلاصة مفادها أن الامور لم تعد إلى المربع الاول فحسب، وإنما إزدادت تعقيداً في ظل الانشغال العام في ترقب الحركة الدولية حيال سوريا والاستعدادات الجارية لتوجيه ضربة لها، مع ما سيرتبه ذلك من خلط للأوراق على الساحة اللبنانية ورسم مشهد جديد سيحكم المسار الحكومي.
وهذا المشهد يدفع مصادر سياسية مطلعة إلى الاعتقاد أن الملف الحكومي الذي تعثرت مسيرته راهنا سيكون رهنا بمرحلة ما بعد الضربة، على قاعدة ان ما بعد الضربة غير ما قبلها، وان الوقت الآن لم يعد متاحا لإنضاج أي طبخة بالمعايير التي توافق عليها رئيسا الجمهورية والحكومة المكلف، مما يدفع رئيس الجمهورية الى التريث والاستمهال، وهو ما لمسه زواره اخيرا، خلافا للانطباعات التي ينقلها بعض هؤلاء عنه.
أما عن مخاطر الضربة العسكرية على لبنان، فلا تبدي المصادر عينها خشية كبيرة على المشهد الداخلي، مشيرة إلى أن لا قرار دوليا بالسماح بتفجير الساحة الداخلية. ولو كان هذا الامر متاحا لكانت أحداث أقل بكثير مما شهده لبنان في الآونة الاخيرة من تفجيرات واختلالات أمنية فجّرت الوضع، بدءا من أحداث عبرا مرورا بعمليات الخطف وصولا إلى تفجيرات الرويس وطرابلس.

السابق
حزب الله ينجز استعداداته خلف ستارة الصمت
التالي
هل العراق مستقبل سورية؟