جيش مصر حرّكته الشهوة أم الواجب؟

ما جرى في مصر أخيراً وتحديداً بعد “الثورة الثانية” التي أطلقتها حركة “تمرّد” لم يكن مفاجئاً لكثيرين من متابعي أوضاعها وخصوصاً في العالم العربي والولايات المتحدة. فجماعة “الاخوان المسلمين” لم تنجح في إخفاء شهوتها إلى السلطة طويلاً، إذ بادرت إلى إقامة إدارة “إخوانية” موازية للإدارة الرسمية داخلها، ولم تتجاوب عملياً مع الدعوات إلى الحوار مع المعارضين المتنوعين التي أطلقها أكثر من وسيط محلي واقليمي، واستمرت في محاولات إقامة نظام “ديني” مصري ظاهره مدني، واستغلت تطرف السلفيين المتشددين لكي تدفع المصريين إلى اعتبارها “خشبة الخلاص”، ولم تمنع الاعتداءات المنتظمة على مسيحيي مصر ولم تعاقب الذين قاموا بها، وحاولت اختراق الجيش المصري لتحويله جيشاً إسلامياً أو بالأحرى جيشاً “إخوانياً”. أما جماعات المعارضة فهي كثيرة تجمعها قضايا مشتركة، وتفرّقها مواقف مختلفة وأحياناً متناقضة من قضايا أخرى وكذلك مصالح خاصة وحسابات. لكن ما يميّزها كان ضعف أحزابها أولاً بسبب تقليديتها، وثانياً بسبب ضعف تنظيمها، وثالثاً بسبب عجزها عن التواصل مع الجماهير أي جماهير الثورة، ورابعاً بسبب نشأة معظمها في السنوات وأحياناً في العقود التي سبقت ثورة يناير 2011. الأمر الذي جعلها جزءاً من النظام رغم انها ثارت عليه في ما بعد. وهي ثورة لم تلغ الطبائع التي اكتسبتها منذ نشأتها والتي ليست الديموقراطية منها، ولا التعلق بالحريات والخوف عليها من شمولية الإسلاميين أو من طموحات العسكر. وما يميِّزها أيضاً كان العنصر الشبابي فيها الذي شكل المثقفون وأنصافهم والمتعلمون وأنصافهم جزءاً مهماً منها، في حين شكل الجزء الآخر العمال والفقراء والجائعون والعاطلون عن العمل. الا ان هذا التميُّز فقد أهميته عندما عجز كل هؤلاء عن تنظيم أنفسهم في حركات حزبية جدية قادرة على قيادة شارع ضخم الحجم كالشارع المصري، وليس فقط على انزاله الى الشارع مع عجز تام عن ضبطه.

الى ذلك كلّه، لم يكن مفاجئاً تدخل الجيش المصري في الصراع الذي كان دائراً بين “الإخوان” المتمسّكين بـ”الشرعية الدستورية” التي افرزتها انتخابات عامة ورئاسية، ومعارضيهم الخائفين من استغلال هؤلاء أكثرية وحكماً حصلوا عليهما بواسطة صناديق الاقتراع للإمساك بالسلطة والتشطيب على “الديموقراطية” مباشرة أو مداورة. وعدم التفاجؤ المشار إليه لم ينبع بداية على الأقل من “شهية” للسلطة أظهرها قادته وضباطه الكبار على الأقل علانية. بل نبع من مبادرة المعارضة، وفي مقدمهم من يسميهم الغرب “علمانيين” (Saeulars) وهي تسمية خاطئة، والمقصود بها الداعون إلى الدولة المدنية والليبرالية والديموقراطية، من مبادرة هؤلاء الى مطالبة الجيش بالتدخل لمنع “الإخوان” من السيطرة على البلاد. وكشف ذلك خوفاً عندهم وفي الوقت نفسه إدراكاً لضعفهم المتنوع الاسباب، ولعجزهم عن المحافظة على الثورة بل عن تحقيق هدفها وهو إقامة دولة الديموقراطية والمساواة والحرية والعدل الاجتماعي، ومكافحة الفساد وتوفير فرص العمل. وطبعاً أثار هذا الموقف في حينه انتقادات كثيرة وخصوصاً داخل أميركا. لكن أحداً من مسؤوليها أو من باحثيها والمحلِّلين لم يكن يظن ان تدخُّل العسكر قريب. فهم كانوا يعتقدون ان تدهور العلاقة بين حكم “الإخوان” والمعارضين على نحو خطير، وتحوله فوضى سياسية وأمنية في الشارع، ثم استفحاله وتزايد فرص تحوله حرباً أهلية، وشعور الطرفين بالانهاك هو الذي سيفرض تدخل الجيش لوضع الأمور في نصابها، وهو الذي سيؤمن قبول غالبية الشعب بتدخله. لكن اعتقادهم لم يصحّ لأنه تدخَّل الى جانب فريق قوي شعبياً وضعيف تنظيمياً وقدرة على القتال و”المقاومة” لمواجهة فريق يمتلك كل ذلك. ومن شأن هذا الأمر جعله هو طرفاً بل قائداً لفريق في حرب شاملة وربما حرب أهلية لا يعرف أحد كيف تتطور مستقبلاً. فهل كان ذلك بعيداً عن “شهوة” عسكرية كامنة للسلطة وتوظيفاً لمطلب شعبي كبير بغية إشباعها؟ أم انطلق من نية حسنة ورغبة في تلافي الأسوأ؟ لا جواب عند أحد عن ذلك. علماً أنه تمكن الإشارة إلى أن ما حصل قبل الخطوة العسكرية وضع الجيش في موقف لا يُحسد عليه. فهو من جهة لا يستطيع السماح لـ”الإخوان” وإن في السلطة بضرب أخصامهم وقيادة مصر إلى حرب – فتنة. ومن جهة أخرى لا يستطيع التحول فريقاً في الصراع الداخلي. لكن ما حصل حصل. والمطلوب الآن هو معرفة عواقب ذلك.

السابق
ما بعد الكيماوي
التالي
سما المصري تهدي الجزيرة أغنية