مخاطر الدولة الفاشلة

تمكّنت منظمة التحرير الفلسطينية من بسط سلطتها على مناطق لبنانية عدة منذ العام 1978، وراحت تصول وتجول بين القوى السياسية والإقليمية مُتخذة من الساحة اللبنانية منبراً وموقعاً وساحة صراع لقضيتها.
بمرور الأعوام، أخذت السلطة اللبنانية تتقلّص شيئاً فشيئاً، وبات ياسر عرفات المتحكم في مسار الأزمة اللبنانية، بفعل سيطرته على القوى “الوطنية اللبنانية”. وعلى رغم كلّ المحاولات الحثيثة التي قام بها الحكم اللبناني، والحكومات اللبنانية المتعاقبة، و”الجبهة اللبنانية” بكلّ فصائلها، وقوّات الردع العربية، بين الحين والآخر، لم تخرج الساحة اللبنانية من الطوق الذي ضرَبته منظمة التحرير على الإرادة اللبنانية.

حتى إنّ عرفات ذهب الى أبعد مدى عندما وقّع مع قائد قوات الطوارئ الدولية في جنوب لبنان وليام كالاهان اتفاقاً لوقف إطلاق النار مع إسرائيل، لم تكن الدولة اللبنانية شريكاً فيه.

هذه الأوضاع تتكرّر هذه الأيام مع فارق نسبي، هو أنّ القوّة العسكرية التي تتحكّم في مسار الأزمة اللبنانية موجودة في أيدي لبنانيين ارتأوا اعتماد السلاح منهجاً في التعاطي السياسي وفي فرض نفوذهم والسيطرة.

وقف العالم بأجمعه مع الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982، باعتبار أنّه يضع حدّاً لممارسات منظمة التحرير على أراضي دولة ذات سيادة وعضو في الأمم المتحدة. أمّا الواقع اليوم، فإنّ السلاح الموجود في أيدٍ لبنانية، لا يقدّم الذريعة نفسها للمجتمع اللبناني لكنّه مدعاة دراسات وأبحاث لجهة طريقة التعاطي معه، بما يعيد إلى الدولة اللبنانية دورها ضمن المجتمع الدولي.

وتشير المواقف الدولية المتابعة للساحة اللبنانية إلى مساعٍ تبذل لتطويق حركة السلاح في لبنان. وتستفيد العواصم الدولية من اندفاع القوى اللبنانية غير الشرعية بسلاحها لتقع في الخطأ، بما يسهّل على هذه العواصم حرّية الحركة والتحرّك والقرارات.

ويقول مراقبون في العاصمة البريطانية إنّ دوائر الخارجية كانت تدرك أنّ “حزب الله” سيردّ سلباً على قرار الاتحاد الاوروبي إدراجه على قائمة المنظمات الإرهابية، لأنه ماضٍ في سياسة القوّة وفرض الرأي على الآخرين.

وبالسؤال عمّا كان يمكن أن يفعله الحزب أمام قرار واضح وصريح ضدّه، يجيب المراقبون، إنّ “منطق الدول يختلف عن منطق المنظمات، ومنطق المنظمات يختلف عن منطق الميليشيات. واستطراداً فإنّ سياسة المعاندة والمكابرة تضعف الدولة والمنظمات والميليشيات أجمعين.

فلو طلب “حزب الله” من الحكومة اللبنانية التعاون مع الأوروبيين لدراسة الحلول لمثل هذا القرار، وأعطى الحكومة تعهّدات كفيلة بإعادة سلطتها إليها، لكان أسقط في يد الاتحاد الاوروبي ووجد نفسه مضطرّاً إلى التعامل مع الحكومة اللبنانية لإيجاد الحلول.

أمّا لجوء الحزب إلى شنّ حملة على الاتحاد الاوروبي واعتبار أنّ قراره لا يساوي شيئاً، فيساهم ، في نظر المراقبين، في البحث عن الخطوات التالية لتطويق الدولة اللبنانية في المرحلة المقبلة.

ويقول المراقبون، إنّ الوضع في العالم العربي قيد المراقبة والمتابعة والاهتمام، لا سيّما بعد تنامي حالات التشدّد وانتشار المقاتلين والجهاديين في أكثر من بقعة ومكان. وبالتالي، لن يكون “حزب الله” في منأى عمّا يجري أو عن نتائجه.

السابق
مصيرنا في ايدينا
التالي
الحجار:الرسائل الامنية تعني عدم تشكيل حكومة