ظل المرشد وظل الجنرال

ذهب الدكتور محمد البرادعي إلى قصر الاتحادية للقاء رئيس مصر محمد مرسي بناء على اقتراح الأخير. كان الاجتماع ثنائياً لكن الزائر استشعر وجود آخرين. رأى وراء الرئيس ظل المرشد محمد بديع وظل نائبه خيرت الشاطر. وهذا النوع من الظلال مثير للشكوك. خاف الزائر أن يكون المرجع الفعلي للرئيس مرشد الجماعة لا الدستور. ولهذا قال البرادعي لصحيفتنا «التقيت الرئيس وحاورته ويئست منه».

ذهب حمدين صباحي إلى قصر الاتحادية. إصرار الظلال على حضور الاجتماع ذكره بما دار بينه وبين مرسي المرشح قبل الدورة الثانية من الانتخابات الرئاسية. كان حمدين نال ما يقرب من خمسة ملايين صوت في الدورة الأولى لكنه خرج من السباق. وكان مرسي يأمل في اجتذاب هذه الكتلة لضمان فوزه في مواجهة الفريق أحمد شفيق. طرح حمدين على مرسي سؤالاً صعباً: «هل ستكون في حال فوزك رئيساً مستقلاً عن إرادة جماعة الإخوان؟». لم يستطع مرسي الإجابة ورد مقترحاً على حمدين منصب نائب الرئيس لكن الأخير اعتذر.

ذهب عمرو موسى إلى قصر الاتحادية والتقى الرئيس والظلين. لم يخف بعد اللقاء ومتابعته أداء الرئيس خوفه على مصر التي انجبت طه حسين ونجيب محفوظ ولعبت دوراً تنويرياً في حياة أمتها. خاف على روح مصر.

كان ذلك قبل أيام من 30 يونيو (حزيران) الذي اتفق الثلاثة في اعتباره يوماً مفصلياً. اعتبروا أن لا بد من انتخابات رئاسية مبكرة لإنقاذ البلاد من عهد مرسي وبدا واضحاً أنهم يستهدفون إنقاذها من الظل الكبير المخيم على العهد ظل المرشد.

تقضي المهنة أن لا يقع الصحافي تحت جاذبية المعارضين. لذلك كان لا بد من الذهاب إلى مقر «حزب الحرية والعدالة» الذراع السياسية لـ «الإخوان». سألت نائب رئيس الحزب الدكتور عصام العريان إن كان توقع سقوط الرئيس حسني مبارك وأن تنتقل مصر إلى العيش في ظل رئيس من «الإخوان». أعجبني جوابه: «أجزم بأن هذا الحلم لم يخطر على بال أي مصري. يكذب عليك أي مصري يقول لك إنه كان يتوقع نجاح الثورة أو سقوط حسني مبارك أو أن يصبح محمد مرسي رئيساً. لولا أن عصر المعجزات انتهى لقلت لك إننا نعيش هذا العصر».

لم يكن العريان قلقاً من «30 يونيو». طمأنينته دفعته إلى القول إن مرسي لن يكمل ولايته فقط بل قد يفوز بولاية ثانية. كان واثقاً ومطمئناً ودعانا بعد انتهاء الحديث، زميلي محمد صلاح وأنا، إلى مكتب رئيس الحزب سعد الكتاتني حيث لم نشم أيضاً رائحة قلق.

فاجأت «ثورة يناير 2011» مرشد الجماعة كما فاجأت كبير الجنرالات يومها المشير حسين طنطاوي. تصرف الرجلان تحت وقع المفاجأة. حرص الناخبين على إبعاد ظل الجنرال مبارك وجنرالاته أوقعهم في عهد مرسي وظل المرشد. لم يستطع مرسي تبديد الانطباع «أن مكتب الإرشاد هو رئيس الرئيس». تراكمت أخطاؤه ولم يرحمه الإعلام.

خوف ملايين المصريين من «الأخونة» حول «30 يونيو» إلى انتفاضة واسعة ضد الرئيس والظل المرابط في القصر. في يناير 2011 شعر طنطاوي أن على الجيش الالتحاق بالميادين. في يونيو 2013 شعر الفريق أول عبد الفتاح السيسي أن على الجيش أن يتصالح معها ويرعاها. انتفاضة واسعة كاملة وشبه انقلاب. رفض «الإخوان» الاعتراف بكامل المشهد. رفضوا التوقف عند الأسباب التي دفعت الملايين إلى الميادين للهتاف ضدهم. ورفضوا التوقف عند الملايين التي وقعت على عريضة «تمرد». فضلوا التوقف عند ظل الجنرال السيسي لتقديم الجماعة في صورة الضحية وصورة المظلوم. وحين أدى رئيس المحكمة الدستورية العليا المستشار عدلي منصور اليمين القانونية رئيساً للبلاد فضلوا الاكتفاء برؤية ظل الجنرال السيسي وراءه.

ما شهدته مصر أمس مقلق فعلاً. دفع البلاد إلى نفق الاقتتال بين ظل المرشد وظل الجنرال وخيم العواقب. جازف «الإخوان» بإدخال ظل المرشد إلى قصر الرئاسة. إزاحة رئيس منتخب في شبه ثورة وشبه انقلاب تتضمن أيضاً مجازفة. لا حل غير الإسراع في الخروج من هذا النفق. الخروج إلى مصر تعيش في ظل دستور منسجم مع روحها وفي ظل رئيس منتخب لا يكبله في القصر ظل المرشد أو ظل الجنرال.

 

السابق
إيطالي يتسبب باعتقاله
التالي
رفسنجاني يحضّ على إنصاف السنّة في ايران