من الخداع إلى التهوّر

المسألة في لبنان لم تعد مسألة اطلالات تلفزيونية للسيد حسن نصرالله، بما فيها من حذاقة كلامية ومهارة في المحاججة والتلفيق واخفاء النيات والحقائق، وخصوصاً التهديدات الصريحة، بل أصبحت اصراراً على أخذ البلد الى حافة الهاوية السورية. سقطت كل الحدود الفاصلة، التي كنّا نتخيّلها، بين لبنانية "حزب الله" وايرانيته وسوريته، بين وطنية عمّدها بالدم في مواجهة العدو الاسرائيلي ولاوطنية كرّسها بالدم أيضاً في استخدامه سلاحه، سلاح المقاومة، ضد اللبنانيين والسوريين.

أراد "حزب الله" إيهام اللبنانيين بأن قتاله في سوريا الى جانب النظام حتّمته ضرورات انسانية وواجبات جهادية. ماذا لو قرر النظامان السوري والايراني غداً أن مصلحتهما تقتضي اشعال حرب أهلية في لبنان؟ بالتأكيد سيرضخ الحزب وينفّذ. قد يقال إن هذه ستكون حرباً لا أهدافاً، لكن الحلف الجهنمي يريدها لاستغلالها في المساومات الدولية، وفي ترتيبات ما بعد انهاء الأزمة السورية بإيجاد التواصل الجغرافي والسياسي بين لبنان المخترق من "حزب الله" وحلفائه، ودويلة الساحل العلوي في سوريا.

يعيش اللبنانيون الآن نتائج خطأ واهمال تاريخيين ارتكبتهما الدولة، اذ انقادت طوال أعوام من الوصاية السورية ثم الايرانية، الى تسليم نفسها الى "حزب الله". لم تستطع أن تتمايز عنه، بل رضخت لترهيبه وتركته يسيطر، حتى أصبحت تحت رحمته وبات العالم يعتبرها "دولة حزب الله". فالحزب هو الذي يحدد حالياً سقف الكلام والموقف والفاعلية لأقطاب الدولة وللطوائف الاخرى. أكثر من مرّة أنذر حزبيون رئيس الجمهورية بأنه ذهب أبعد مما يجب في الدفاع عن المصلحة الوطنية وعن مكانة الحكم. أكثر من مرّة سأل نصرالله: ماذا فعلت الدولة؟ وأين الدولة؟ وأخيراً قال إن هذه الدولة لم تتعامل مع اسرائيل على أنها عدو، أما هو وحزبه فأصبحا يتعاملان مع الدولة وبالتالي مع الشعب على أنهما العدو الآخر، ولن يترددا في مقاتلتهما.

في خطاب "ذكرى التحرير" كشّر نصرالله عن انيابه وكسر كل الحواجز الاخلاقية ليقول للدولة، للحكومة، للجيش، للبنانيين جميعاً، إنه مستعد لكل ما يتخيّلونه، وأنهم لا يستطيعون شيئاً ضدّه. أمضى الاعوام الثلاثة الماضية وهو يحاول افهام الجميع بأنه خدعهم، ضحك عليهم، وليس أمامهم سوى الرضوخ للأمر الواقع. فالدولة التي يتحدثون عنها عاجزة وفاشلة وغير موجودة، واذا كانت هناك دولة فهي هو، وسيّان عنده أن يفهموا أو لا يفهموا، لأن "جمهوره" يهتف له ويضخّ له رجالاً للموت من أجل بشار الاسد، ولأن هناك خارج جمهوره من يسكتون أو يصفّقون بحسب استفادتهم منه.

لماذا أمضى الوسط السياسي الاسابيع الأخيرة مختبئاً وراء البحث عن قانون انتخابي بائس وحكومة جديدة أكثر بؤساً؟ لأنه لم يرد استفزاز "حزب الله" خلال قتاله في القصير، ولأنه يخشى أن تكون الخطوة التالية للحزب انقلاباً مسلحاً على الدولة… والآن طارت الانتخابات، كما كان متوقعاً منذ عام ونيّف، أما الحكومة العتيدة فمصيرها مبهم.

السابق
الخطر على الخليج بعد سوريا
التالي
الورقة العربية ـ التركية إلى جنيف 2