الفيصل وعقدة طرابلس!

كانت طرابلس مدينة العلم والعلماء.
وكان سكانها روّاد الوحدة الوطنية.
عاصمة الشمال غريبة عما يجري فيها.
وليس قطعاً من طبائع أهلها.
ولا من طبيعة مواطنيها.
كان الأستاذ أنور البكري المربي الكبير، والشيخ الجليل، يردّد، أمام تلاميذه، في ثانوية الحدادين، ان طرابلس، تضمّخت برائحة الليمون، وعاشت على نكهة البرتقال، وتذوّقت حبّات البلح، وفتحت أبوابها لجيرانها في الكورة، وزغرتا وبشرّي والمنية والقلمون، لأنها واحة تعايش ولؤلؤة محبّة، ودرّة وئام.
ماذا يجري الآن في العاصمة الثانية؟
وماذا يحدث في مدينة عبدالحميد كرامي؟
وهل هذا من خصائص وخصوصيات بيت المقدّم، وبيوتات عائلات الرئيس رشيد كرامي والدكتور عبدالمجيد الرافعي.
وهل القتال الدائر فيها، من طبيعة جبران النحّاس ولطف الله خلاّط، وموريس فاضل، وجورج صرّاف؟
لا، طرابلس قبولي الذوق، ولا فيحاء سعدي المنلا، هي المدينة التي يزرعون فيها القنابل، ويدمّرونها بالمتفجرات.
هذا، من دون أن ينسى أحد، طرابلس هاشم الحسيني والدكتور أمين الحافظ، ومحمد حسن حمزه، وسالم كباره، وفؤاد البرط، ومايز المقدّم.
كانوا جميعاً يتنابذون.
… ويختلفون في السياسة.
ويتنافسون على المناصب.
لكن طرابلس كانت ملاذهم.
وظلّت قمة طموحاتهم.
عندما دهمتها موجة التفريق بين سكانها وروّادها، عرفت عاصمة القومية العربية والخلق، كيف تحافظ، بنسبة لا بأس بها، على أصالتها في العيش المشترك، ولا تزال.
سكان الفيحاء كانوا، في أوج المحنة، عام ١٩٧٥، يقولون ان طرابلس مدينة العيش الواحد، لا العيش المشترك.
والأسماء كثيرة، وتعدادها إمعان في الخطأ، وقد يتحوّل الى شرود عن الصواب. وحسب الأستاذ نقولا شاوي ان طرابلس مدينة التشوّف القومي والعقل الوطني.

***
أمس سمع الناس، وزير الشباب والرياضة فيصل عمر كرامي يقول ان الدولة بأمها وأبيها مقصّرة تجاه عاصمة الشمال.
ويردّد علناً، ان المرجعيات على الأرض هي متورّطة.
ويرى في ما يحدث انهياراً لهيبة القانون.
تحدث وزير الشباب، عن مشاريع لحكومته لوأد الفتنة في المدينة.
ونوّه بشكل خاص بخطّة أمنية في المدينة وبدور أساسي للنائب سمير الجسر.
وهذا القول فيه نبرة صراحة، لأن الوزير كرامي والنائب الجسر ليسا في حلف سياسي، ولا من مشرب فكري واحد.
في رأي الوزير فيصل كرامي، ان المطلوب خبطة قدم مدوية تسمع في كل لبنان.
ويتساءل الفيصل، لماذا لا يتم البحث في قطع دابر المحاصصات المذهبية والمناطقية والحزبية؟
ومنطق رجل الدولة الجديد، ان الدولة تكون بمجلس دفاع أعلى على مستوى القمة، ليكون قرار السلطة من فوق، ولا يمرّ في الدهاليز من تحت.
سؤال طبيعي يطرحه الوزير الفيصل، ليفصل بين ما يريده الناس، وما يتخوّفون منه.
هل طرابلس جاهزة للانتخابات؟
سؤال يطرحه صاحب أقوى قوة تجييرية في الانتخابات النيابية: هل تجرى الانتخابات على دماء المواطنين؟
وهو أجاب: لا أراها انتخابات.
طبعاً كان صريحاً، عندما قال: أنا جزء من حكومة، قدّمت مشروعاً، أنا متمسّك به، وهو الأقرب الى اتفاق الطائف والأكبر تعبيراً ومنطقية للبنانيين، ويمكنه كسر الآحادية الطائفية والمذهبية التي تجتاح العاصمة الثانية هذه الأيام!

السابق
“ذكرى التحرير” في القصير
التالي
القُصير… بأبعادها اللبنانية