8 آذار.. طار النصاب والصواب

ليس من ضمن مبادئ قوى 14 آذار وشيمها الوطنية الموحّدة أن تستسلم لأي طرف يسعى الى تفتيت مكونات لبنان الأساسية، طائفية أو سياسية، وليس في مشروعها الإستقلالي منذ العام 2005 أي ثغرة يمكن للطرف المرهون للمحور الإيراني-الأسدي استغلالها.. لأنها عند كل مفترق طرق تكون حاضرة لتلقّف الأزمات واحتواء التحوّلات الجذرية بما فيها مصلحة لبنان.
هذا ما أثبتته قوى 14 آذار بوقوفها صفّا واحدا مهما اختلفت الإتجاهات، إن عبر المقاطعة أو المشاركة وعدم التصويت لتعيد الى اللبنانيين صورة المشهد الإستقلالي الذي كرّس استقلال لبنان وسيادته في العام 2005 للوقوف هذه المرة وفي العام 2013 في وجه رموز النظام السوري الذي ظنّ بأنه يفلح في تقسيم لبنان وفرز أبنائه.. ولن ينجح النظام ورموزه حيث فشلت الحرب!
لم تتّفق قوى 14 آذار على مشروع قانون مختلط بسحر ساحر، والمشروع ليس صنيعة عربية أو دول ممانعة، إنما مشروع لبناني "بلدي"، والمشروع لم يحطّ على طاولة قوى 14 آذار فجأة ولم يحمله الحمام الزاجل عبر الحدود، ولم يوضع "نكاية" بأحد أو لحشر الطرف الآخر. ولكنّه وعلى الرغم من ذلك، وبعدما ظنّ الجميع أن قوى 14 آذار استسلمت وأن المصطادين في الماء العكر حققوا مآربهم في التفكيك والتقسيم والفرز الطائفي والمذهبي، خلط المشروع المختلط الأوراق و"خالط" اللبنانيين في صورة موحّدة.
معروف من يُضمر لقوى 14 آذار شرّ الإنقسام بين صفوفها، ومعروف من يصنّع مشاريع تشبه السوس الذي ينخر في جسم الوطن، معروف من أراد أن يدير ظهره للوحدة والعيش المشترك وخرق الدستور وتشويه صورة اللبنانيين في العالم. علموا بأن مشروع "الأرثوذكسي" ليس موحّدا إنما مفرّقا واتّحدوا نصرة له، أدركوا بأن مكوّنات أساسية في البلد غير راضية عن المشروع المقسّم فاستمرّوا غير آبهين بشركائهم في الوطن، ونيّة التقسيم هذه واضحة حيث انهم لم يستغلوا كل الوقت الذي مضى بالبحث عن قانون جامع إنما استغلّوه وأضاعوا فرصة التوافق للدفاع عن مشروعهم.. لم يحرّكوا ساكنا باتجاه الإيجابية لأنهم كانوا أمام خيارين إما التقسيم أو التعطيل!
لهذا رفضت قوى 8 آذار مجرّد التشاور أو النقاش في كل ما يخصّ القانون المختلط، لأن ليس من حجة لهم لرفضه سوى أنهم معرقلون في السياسة ولأن دفاعهم "المزوّر" عن حقوق المسيحيين ليس سوى "علا قة ملابس" ولأن دفاعهم عن الدستور حينا ومهاجمته أحيانا والإتجاه غير المباشر الى استبداله بنظام آخر، ليس سوى تنفيذ لأجندة خارجية. اعتقدت قوى 8 آذار أنها نجحت في كسب ثقة بعض الأحزاب في قوى 14 آذار، لكن هذا ليس دليلا على تبعية، ويصحّ في القوى المقسِّمة القول اللبناني "ما بتنحطّ الإيد تحت بلاطتهم".
فَقدَ زعماء قوى 8 آذار صوابهم، تفاجأوا.. فاجأتهم الوحدة! مشاريعهم "تفركشت" وكذلك حلّ بزعمائهم وهم يعتلون المنصات للتصريح. صُدموا بوقوف قوى 14 آذار صفّا واحدا.. صدمة مبررة لأن قوى 8 آذار لم تعتد على الإتحاد إلا بوجود السلاح ولأن إرهاب السلاح وجهاده وحده يجمعهم وهم لا يجتمعون إلا لاعتراض كل مشاريع الإستقلال والتحرر من التبعية والوصاية. حسبوا أن ما يجمع قوى 14 آذار هو مجرّد تحالف مؤقت كالذي يجمع بين حاملي السلاح ومن يغطّونهم..
حلف قوى 14 آذار القائم منذ العام 2005 مستمرّ من دون أن يبتزّ أي حزب أو مستقلّ الحزب الآخر، وكل ما يطال الحزب المسيحي يطال التيار المسلم وكل المستقلين، حلف لا يهدد أعضاؤه بعضهم البعض الآخر ولا يعتصمون في الشارع ويشعلون الدواليب احتجاجا على سياسة حليفهم، ولا يتحدّى فيه أحد الأعضاء قدرات الآخر ولا يذوب حزب في "حضن" الآخر. في 14 آذار كل حزب يتمتع باستقلاليته، منفتح على الأحزاب كلها داخل الحلف الواحد وحاضر دائما لتقريب وجهات النظر بينه وبين أحزاب قوى 8 آذار.. فما يجمع قوى 14 آذار لا يفرّقه .. نصاب.

السابق
الحراك الدولي في وادٍ والأسد في وادٍ آخر
التالي
فلسطين.. لا أملَ إلا بالمقاومة