عودة رفسنجاني إلى الرئاسة؟

في حزيران 2005، لم يكن أحد يراهن بفلس واحد على انتخاب رئيس بلدية طهران شبه المغمور محمود أحمدي نجاد رئيساً لايران في مواجهة أحد عتاة السياسة الايرانية الرئيس السابق حجة الاسلام والمسلمين هاشمي رفسنجاني.

وفي حين ان رصيد المهندس الشاب احمدي نجاد لا يتعدى مجال التدريس الجامعي ومن ثم ادارة ناجحة لشؤون العاصمة، راكم السياسي المخضرم تجربة استثنائية في القضايا الاساسية التي كانت تهم عموم ايران. فهو من أقنع الخميني بضرورة تجرع «كأس سم» وقف الحرب مع العراق، وهو من رعى صعود آية الله علي خامنئي الى منصب الولي الفقيه، بعد رحيل مؤسس الجمهورية الاسلامية، وهو الذي ادار مرحلة استقرار داخلي ونمو اقتصادي، بعد وقف الحرب ومرحلة الانفتاح على الجوار الايراني، خصوصاً الخليجي.

رغم كل هذه المؤهلات، لم يصمد رفسنجاني في مواجهة احمدي نجاد الذي شكل في 2005 نقطة التقاء تحالف «الحرس الثوري» ورجال الدين. لقد تمكن «الحرس»، خلال ولايتي الرئيس محمد خاتمي الذي خلف رفسنجاني العام 1997، من التحول قوة اقتصادية هائلة من جراء سيطرته على المرافق الاساسية من الاقتصاد، خصوصاً النفط، وقوة متزايدة النفوذ من جراء اطلاق البرامج التسليحية والتدريبة، ومنها البرنامج النووي. كما تمكن رجال الدين من السيطرة على مفاصل المؤسسات الدستورية والحقوقية، اضافة الى علاقتهم مع البازار ونفوذهم الشعبي عبر المؤسسات الدينية والخيرية. ليصبح هذا التحالف العسكري – الديني الموجه الفعلي للرأي العام، تحت مظلة المرشد. وهو التحالف الذي هزم رفسنجاني في 2005.

والسؤال هو ما هي الحظوظ الفعلية لرفسنجاني في العودة الى الرئاسة بعدما رشح نفسه الى الانتخابات المقررة في حزيران المقبل، في مواجهة شخصيات معروفة وصاحبة علاقات واسعة في الداخل والخارج، ومن المحيط المباشر لخامنئي؟ وهل تغيّر موقع الرئيس السابق كأحد «رؤوس الفتنة»، بحسب تصنيفات القوى المحافظة المسيطرة في «الحرس» والمؤسسة الدينية؟

يعتقد محللون ان موافقة خامنئي على ترشح رفسنجاني على خوض السباق تعني ان الرئيس السابق بات مقبولاً لدى المرشد، ما يزيل عقبة كبيرة امام استقطابه للناخبين. لكن ينبغي انتظار تصفيات الترشيح التي يجريها مجلس صيانة الدستور، وإمكان ان يقبل بترشيح رفسنجاني ام انه سيرفض هذا الترشيح لتنتهي عملياً الحياة السياسية للرجل. لكن لتبدأ شكوك كبيرة في معنى جدية الاقتراع ككل، وربما تتكرر اضطرابات «الثورة الخضراء» التي اعقبت الدورة الثانية من الانتخابات السابقة.

لهذه الاسباب سيعبر رفسنجاني عتبة المجلس الدستوري، لينخرط في الحملة التي ستتخذ في مثل هذه الحال زخماً كبيراً، والتي ستكون مناسبة للنظام الايراني لاظهار تعلقه بعملية الاقتراع والتركيز على انه نظام الخيار الشعبي. وذلك في اطار السعي الى الحصول على صدقية فقدها في الانتخابات السابقة.

وستشهد الحملة بالتأكيد حماسة وحماوة بالغتين في اطار النزاع على السلطة داخل صفوف المحافظين، وبينهم وبين رفسنجاني المحافظ الوسطي. لكن الاساس يبقى في نتائج الاقتراع المقبل والشخصية التي سيسعى النظام الى اخراجها من صناديق الاقتراع لتولي الرئاسة. فهل ستكون وظيفة ترشيح رفسنجاني هي اعطاء صدقية للاقتراع، وتنتهي مع اعلان انتخاب شخصية محافظة تتوافق عليها قيادات «الحرس» ورجال الدين، تحت رعاية المرشد؟

اما في حال وصول رفسنجاني فعلاً الى الرئاسة، فذلك يعني ان تغيراً كبيراً حصل في ميزان القوى داخل النظام، يرتبط بالازمات المتعاقبة المرتبطة بالبرامج العسكرية الضخمة التي يشرف عليها «الحرس» وبالمأزق السياسي في البلاد نتيجة تشدد قيادات رجال الدين، وبالازمة الاقتصادية المتزايدة نتيجو سوء الادارة والعقوبات الدولية. وهذا التغير يفرض ان يتولى شؤون ادارة البلاد سياسي محنك وبراغماتي مثل رفسنجاني. وفي هذا المعنى يصبح الرئيس السابق حاجة ضرورية لاخراج النظام من مآزقه وأزماته. بعدما نبذه النظام في 2005، ولاحقه بالتهم وصولاً الى اعتقال القريبين منه، بمن فيهم ولداه، وتصنيفه بين «رؤوس الفتنة».

السابق
بريطانيا وفرنسا تؤخران معاقبة “جبهة النصرة”
التالي
سوريا.. إذن هي كذلك!