علي فضل الله: قضية مخطوفي أعزاز جرح انساني يجب عدم إبقائه رهينة

ألقى العلامة السيد علي فضل الله خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين في حارة حريك، في حضور عدد من الشخصيات العلمائية والسياسية والاجتماعية، وحشد من المؤمنين.

ومما جاء في خطبته السياسية: "أوصيكم وأوصي نفسي بتقوى الله. التقوى التي هي عز الدنيا وزاد الآخرة. هذه التقوى التي نتعلمها بأبرز معانيها من الصديقة الطاهرة السيدة الزهراء، التي مرت علينا ذكرى ولادتها في العشرين من جمادى الثانية. التقوى التي عبرت عنها حبا لله.

لنتعلم من السيدة الزهراء كل هذا الحب، أن يكون الله أحب إلينا من أبنائنا وأمهاتنا وأهلنا وكل الناس، أن نعبر عن هذا الحب بالحب لخلقه، فالخلق كلهم عيال الله، وأحبهم إليه أنفعهم لعياله، بأن نكون حاضرين في كل مواقع الخير، أن نكون عونا للفقراء والمساكين، أن نكون قوة للمستضعفين والمقهورين، أن نكون حاضرين في كل قضايا أمتنا، حيث المرحلة تحتاج إلى الصوت الواعي، الصوت الذي يقي الأمة من الفتنة التي باتت هاجسنا في كل العالم العربي والإسلامي. وهذا ما نشهده في العراق، الذي خرجت فيه الأحداث عن طابعها المطلبي، لتأخذ بعدا مذهبيا وعنفا يتلاقى مع تعقيدات الداخل وتداخلات الخارج مع إعلام مجيش للحساسيات المذهبية والطائفية.

إننا ونحن نستشعر الخطر الكبير على العراق، نخشى أن يتكرر فيه المشهد السوري، إلا أننا لا نزال نراهن على وعي الشعب العراقي بكل فئاته ومكوناته، ورفضه الانجرار وراء الفتنة المذهبية وكل الساعين لإحيائها، بعدما استطاع إسقاط هذه المؤامرة في أيام الاحتلال. هذه الفتنة التي لم تجر إلا الويلات على هذا الشعب واستقراره. ومن هنا، فإننا نكرر الدعوة للشعب بضرورة الاستمرار في الحوار الجاري بين الدولة والمعارضة، للخروج بحلول تضمن للجميع أن يشعروا بإنسانيتهم وحقهم في العيش الكريم. وإننا ومن خلال لقاءاتنا الأخيرة مع المسؤولين العراقيين، لمسنا جدية في الاستماع إلى كل المطالب وحلها ضمن القوانين، حيث لا فرق لديهم بين مذهب وآخر أو قومية وأخرى. ونحن نريد لكل القوى المؤثرة في العراق، وخصوصا الإقليمية منها، أن تعمل على إطفاء الحريق، لا أن تسعى لصب الزيت على النار، إعلاميا وسياسيا واستخباراتيا، لأن هذا الحريق، إذا امتد لا سمح الله، فستصل شراراته إلى هذه المواقع عينها {واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة}.

وفي السياق نفسه، لا تزال سوريا تعيش معاناتها، في ظل استمرار سياسة الاستنزاف لهذا البلد بكل مكوناته، تحقيقا لأهداف الدول الكبرى في إضعافه ومنع أدائه لدوره في المنطقة، وما يزيد الأمور تعقيدا، ما أثير مؤخرا حول استخدام السلاح الكيماوي ليكون تمهيدا لتدخل أوسع في الأزمة السورية.

ومن هنا، فإننا نعيد التأكيد على الداخل والخارج، بضرورة العمل سريعا لإخماد النيران التي باتت تأكل أخضر هذا الوطن ويابسه، فلا يكفي إحصاء المنازل المدمرة وأعداد اللاجئين داخل سوريا وخارجها، والخسائر الكبرى في الاقتصاد والأمن وغيرها، بقدر ما ينبغي العمل لإخراج هذا البلد من محنته ومعاناته، من خلال حوار المؤثرين في الداخل والخارج، الذي هو الخيار الوحيد لإنهاء الأزمة ووقف نزيف الدماء والدمار.

وعلى هذا الأساس، فإننا نعول كثيرا على الأنباء الإيجابية التي برزت مؤخرا حول تقارب بين مصر وإيران لحل هذه الأزمة، وإحياء اللجنة الرباعية، حيث تضم السعودية وتركيا إلى هذه المساعي، ونأمل أن تساهم لإيجاد الحل النهائي للأزمة.

وإلى جانب ذلك، نحن نرى في حادثة الاعتداء على ضريح الصحابي الجليل حجر بن عدي الكندي، مسألة في غاية الخطورة، كونها تمثل عدوانا كبيرا على هذا الرمز الإسلامي الجامع، ونحن نرى في ذلك عدوانا ليس على الضريح فحسب، بل على التاريخ الإسلامي، وعلى حركة الدعوة الإسلامية التي قدمت لنا هذه النماذج الكبرى التي يدعونا الإسلام للوفاء لها والاقتداء بحركتها، لا الإساءة إليها بهذه الطريقة التي تمثل الوحشية بكل المقاييس.

إننا نحذر من أن هذه العقلية لا يمكن أن تكون مؤهلة للبناء وللتغيير على أسس صالحة، لأن من يعتدي على التاريخ لا يمكن أن يرحم الحاضر، أو أن يصنع الفارق في المستقبل، كما أن ذلك يضاعف المخاوف من الاعتداء على مقامات أخرى، ولذلك نؤكد على المرجعيات الإسلامية كلها، أن تظهر الموقف الشرعي من هذا الاعتداء وأن تدينه إدانة حاسمة وواضحة، حتى لا يلتبس الأمر على الناس وسط هذه الفوضى المدمرة التي لم ترحم الأحياء ولا الأموات، كما نؤكد على ضرورة أن ينطلق هذا الموقف في مواجهة العقل التكفيري الذي من شأنه أن يكون عبئا على سوريا وتطلعات شعبها نحو الحرية وقبول الآخر، وعلى المنطقة كلها. وعلى كل من يحمل شعارات التغيير والحرية، ألا يسقط هذه الشعارات من خلال هذه الممارسات، أو حتى من خلال السكوت عليها.

إننا نشعر بالخوف على سوريا في ظل استمرار هذا النهج الذي يلتقي مع خطط الآخرين الساعية لاستنزاف هذا البلد على جميع المستويات.

أما لبنان، الذي لا يزال يعيش أزمته الحكومية والنيابية وترددات ما يحدث في سوريا، فقد بات الأمر يستدعي من اللبنانيين جميعا إجراء حوار جدي ومعمق للخروج من هذه الدوامة وتداعياتها بدل التراشق بالكلمات والاتهامات التي باتت خبز اللبنانيين اليومي.

وعلى الجميع العمل لتحصين الداخل من الفتنة التي بتنا نخشى من وقوعها عاجلا أو آجلا، كما نخشى من أي استغلال صهيوني لما يجري في الداخل والمحيط للقيام بعدوان محتمل.

وفي هذا المجال، فإننا نحذر مما حصل أخيرا في مشهد الضعف الكبير الذي أظهرته الجامعة العربية بالتخلي عن أراض فلسطينية من حدود ال67 تحت عنوان تغييرات طفيفة، الأمر الذي يشجع العدو الصهيوني على التصلب أكثر في مواقفه العدوانية ويغريه مجددا لمطالبة العرب بتنازلات جديدة.

وإن هذا الوضع في ظل الثورات العربية، يمثل أكبر خسارة لهذه الثورات، حيث ستتساءل الشعوب عن معنى هذه التنازلات والتي لم تكن تحصل حتى في ظل الأنظمة السابقة التي سقطت وتداعت بفعل حركة هذه الشعوب. ولذلك، علينا في لبنان وفلسطين وكل مكان أن نقف مع أولئك الذين أصروا على شعار: فلسطين عربية إسلامية من النهر إلى البحر.

وبالنسبة إلى مخطوفي أعزاز، فإننا في الوقت الذي نقدر الجهود التي تبذل من الدولة اللبنانية لإطلاق سراحهم، ندعو كل المؤثرين في هذه القضية إلى التدخل لمعالجتها، وعدم إبقاء هذا الجرح الإنساني رهينة اللعبة السياسية أو مطالب لا علاقة للمخطوفين بها.

أيها المسؤولون، إن المنطقة من حولنا تضج بالأحداث، وإن الفوضى السياسية والأمنية توشك أن تقترب من ساحاتنا الداخلية، وخصوصا مع كل المواقف الانفعالية الصادرة من هنا وهناك. وبالتالي، لا مجال للجميع إلا الإسراع في استغلال الفرصة الراهنة، وإيجاد الحلول اللازمة، قبل أن تسقط هذه الفرصة من جديد، ونعود إلى دوامة الفوضى والفراغ واللااستقرار".
  

السابق
عبد الامير قبلان: لا نجاة للعرب والمسلمين الا بالعودة الى رسول الله
التالي
بهية الحريري: متمسكون بصيدا والجوار أسرة وما من شيء أغلى من وحدتنا