واشنطن تتخلّص من أعدائها

تُقرع طبول الحرب في منطقة الشرق الأوسط، ويسرح خيال المحللين بعيداً في توقع السيناريوهات، وتُطلق رسائل التحذير عابقة بانفصام بين الخوف والغرور، ويلعب السلاح الكيماوي دور البطولة في مشهد تغلب عليه الإثارة وحبس الأنفاس، خوفاً من أن يتكرر في سوريا، سيناريو غزو العراق بحجة أسلحة الدمار الشامل.

غير أن التحقيقات المتوافرة لدى الإستخبارات الأميركية حول استخدام أسلحة كيماوية في سوريا لم تُشكل بعد نقطة تحوّل في السياسة الأميركية حيال سوريا، على رغم أن المخابرات البريطانية والفرنسية والإسرائيلية أكدت إستخدام غاز الأعصاب الممنوع دولياً، في الحرب السورية.

لم يكتفِ البيت الأبيض بتقارير الإستخبارات، بل طلب من الأمم المتحدة ان تُجري تحقيقاً حاسماً في هذا الملف، والأمم المتحدة تملك نحو 300 إختصاصي في علوم الأسلحة الكيمائية والبيولوجية وتتعامل مع أكثر من 40 مختبراً تحليلياً متخصصاً في هذا الشأن حول العالم.

إلّا أن هناك عقبتين أساسيتين تعترضان إجراء التحقيق الدولي المطلوب والبناء عليه :

أولاً: سبق للأمم المتحدة أن طلبت من السلطات السورية السماح لمحققيها بالدخول رسمياً إلى سوريا والتحقيق في استخدام السلاح الكيماوي على كل الأراضي السورية، غير أن دمشق رفضت ذلك.وما زال محققون تابعون للأمم المتحدة موجودين حتى الآن في قبرص، وينتظرون تعليمات جديدة.

ثانياً: حتى لو قبلت السلطات السورية الأمر، فإن موسكو التي تمنحها الغطاء السياسي في مجلس الأمن، لن توافق على اتخاذ أي إجراء عسكري ضد النظام السوري نتيجة تحقيق الأمم المتحدة، ما يعني أن الطلب الأميركي من الأمم المتحدة هو مطلب غير عملي ومحكوم بالفشل سلفاً.

وهذا الواقع، لا بدّ أن يُشجع السلطات السورية على استخدام الأسلحة الكيماوية على نطاق واسع في المرحلة المقبلة، بعدما كان استخدامها لصواريخ أرض – أرض من نوع "سكود" يتراوح بين صاروخ و12 صاروخاً يومياً رداً على كل موقع عسكري مهم كانت تخسره.

وقد بلغ عدد الصواريخ المستعملة منذ إطلاق أول صاروخ في كانون الأول الماضي وحتى الآن نحو مئتي صاروخ، من أصل نحو 800 "سكود" تملكها سوريا، إضافة إلى صواريخ إيرانية الصنع من نوع"فتح A110 "، وروسية ss-21.

ويمكن للأمين العام للأمم المتحدة أن يطلب من المحققين القيام بمهامهم خارج سوريا إذا استمرت في رفضها استقبالهم، وذلك من خلال إجراء مقابلات مع شهود أو ضحايا لجأوا إلى دول مجاورة وإخضاعهم لفحوص طبية ومعاينتهم لتحديد العوارض.

ولكن لماذا تُعرِّض الولايات المتحدة الأميركية صُدقيَتها ولا تقوم بأي عمل ميداني مثل السماح للباتريوت المنصوب في تركيا باعتراض الصواريخ السورية، أو إقامة منطقة حظر جوي؟

الشعوب العربية ينفد صبرها سريعاً. تريد الحل الآن وليس الشهر المقبل، أو السنة المقبلة. أما الغرب فيعمل وفق أجندة مصالحه الحيوية على المدى الطويل.

وعليه، تعيش واشنطن لحظة تاريخية ترى فيها أهدافها تتحقق من تلقاء ذاتها، وتشهد القضاء على أعدائها من دون أن تكون هي موجودة في ساحة المعركة وبلا أن تضطر إلى إطلاق رصاصة واحدة أو تعريض جندي أميركي واحد للخطر. وبالتالي لماذا على الولايات المتحدة أن تسارع إلى التدخّل ما دامت ترى أهدافها تتحقق بالجملة؟

ما يجري في سوريا الآن، هو بكل بساطة إستنزاف لكل أعداء واشنطن، من القوات السورية النظامية، إلى تنظيم القاعدة والأصوليين، إلى إيران و"حزب الله". ماذا تريد أميركا أكثر؟

السابق
الدولة المنقسمة
التالي
الخاطف والمخطوف وما بينهما