حزب الله ومفهوم الاستقرار

عندما بدأت سورية وإيران انقلابهما في لبنان مع اغتيال رفيق الحريري في 2005، ثم استكملتاه باجتياح بيروت والجبل وإقصاء الحريري الابن عن رئاسة الوزراء، كان المستهدف الفعلي ليس فقط السعودية ودورها الإقليمي، بل أيضاً المظلة العربية الأوسع لهذا البلد، بقصد إلحاقه بمحور «الممانعة» الذي يمثلان.
لم يكن رفيق الحريري مناهضاً للدورين السوري والإيراني في بلده، بل كان أول زعيم سياسي سني يضفي شرعية على هذين الدورين معاً، عبر حرصه على علاقة جيدة مع دمشق ومع «حزب الله»، بغرض تقليل الأضرار إلى حدها الأدنى. ورغم ذلك اغتيل، وشنت حملة دامية لإنهاء إرثه السياسي، لأنه اعتُبر «حجر عثرة» في وجه مسيرة المحور إياه الذي كان انتقل إلى مرحلة الهجوم والتوسع.
لكن حكام دمشق وطهران لم يتوقعوا أن تبدأ المعطيات في التغير، وان يضطر حلفهم إلى دخول مسار مختلف في غضون عامين فقط هما عمر الانتفاضة السورية. ورغم ذلك، لا يزال الوقت مبكراً على القول إن هذا المحور الذي تحول إلى موقع الدفاع، على وشك الانهيار فعلاً، بل لا بد من توقع أن يبدي المزيد من المقاومة، خصوصاً وأن الوضع في سورية لا يزال بعيداً من الحسم، ونظام بشار الأسد ليس مهدداً، للأسف، بالسقوط الفوري.
أما السبب الرئيس في احتمال «صمود» حاكم دمشق في المدى المنظور، فهو أن القوى الكبرى لم تتوصل حتى الآن إلى حل تفاوضي يسبق سقوط النظام ويضمن تأمين الأسلحة الكيماوية والبيولوجية التي يمتلكها الجيش النظامي السوري وعدم وصولها إلى الأيدي الخطأ. وإلى ذلك الحين، سيظل القرار بإسقاطه معلقاً، لا سيما بعد فشل محاولة إرسال مفتشين دوليين للتحقيق في استخدام السلاح الكيماوي، والتي كان يمكن أن تمثل بداية عملية لهذا الحل. ومن المؤكد أن الإلحاح الأميركي على المصالحة بين إسرائيل وتركيا يدخل في إطار الترتيب للمخرج الذي قد يطول انتظاره.
ولذا، فإن التفاؤل المبالغ به بأن «حزب الله» هزم في لبنان، لمجرد أن تسمية رئيس الوزراء عادت إلى يد قوى «14 آذار»، بعدما ساهمت أجهزة الحزب الإعلامية في تصوير الأمر على أنه «انقلاب سعودي»، لا يعكس الواقع على الأرض. وسيكشف مسار تأليف الحكومة العتيدة أن دمشق وطهران لا تزالان تملكان القدرة على التعطيل إذا شعرتا أن نفوذهما مهدد.
فاستقرار لبنان الذي يشيع «حزب الله» أنه حريص عليه، يخضع لمفهومه الخاص بأنه يظل قائماً طالما يخدم مصالحه، وعندما يرى أن لعبة الاستقرار تأكل من نفوذه وسيطرته على الدولة والمؤسسات، لن يتلكأ في الإطاحة به عبر وسائل جربها بنجاح من قبل. ومثال حرب تموز وخلط الأوراق لا يزال حياً.
والقول بأن الحزب رفض ويرفض طلب دمشق توتير الأجواء الأمنية في لبنان، وأن هناك تبايناً في مواقف الطرفين من العملية السياسية في هذا البلد، هو مجرد فقاقيع إعلامية يقف الحزب نفسه وراءها، ذلك لأنه منخرط تماماً في الحرب الأهلية السورية ومستعد للمضي حتى النهاية في الدفاع عن النظام وسياساته التي لا خلاف عليها، والتنسيق بينهما، عبر غرفة العمليات الإيرانية – السورية المشتركة، قائم وفاعل. أما «المرونة» التي تبدت في قبوله بغير مرشحه لرئاسة الوزراء، فلا تخرج عن اطار سياسة «الكمائن»، التي يتقنها.  

السابق
الرسالة الروسية والقراءة الجدّية
التالي
شبه الجزيرة العربية والكورية