لا خبز لا حرية لا كرامة

لا حكومة ولا انتخابات في مدى قريب. نجحت الطبقة السياسية في الهروب من المسؤوليات الاجتماعية والأمنية وفي تأجيل الاستحقاق الديموقراطي. تعقيد الأزمة يفرض على الناس قبول الحلول التي تراها هذه الطبقة السياسية مناسبة. خضعنا لابتزاز غير معقول في قانون الانتخاب. صرنا نحن من يقترح التسويات بدل الإصرار على الحقوق الدستورية. استطاعت هيئة التنسيق النقابية انتزاع الاعتراف بشرعية مطالبها وأن تحدد مواقع الهدر والفساد لمعالجة العجز في الموازنة. التفَّت الحكومة على هذه المطالب وألقت بها إلى المجلس النيابي المعطّل أو المشغول بأولويات أخرى.
أظهرت المعركة الاجتماعية تناغم أطراف الطبقة السياسية في عدم المس بالامتيازات الاقتصادية أو التنازل عن جزء منها. دفعت القرار الحكومي في الاتجاه الضريبي نفسه بعيداً عن المصالح الريعية والاحتكارية. تلعب الطبقة السياسية على حافة الحرب الأهلية حتى لا تواجه مسألة الإصلاح السياسي.
في كل مرة يُشكَّل رأي عام ضاغط يجري احتواؤه أو تفكيكه بالتوتر الطائفي، وبتحديات «الأمن قبل الرغيف». كل العاصفة التي ثارت على قانون الانتخاب و«صحة التمثيل وعدالته» تراجعت لمصلحة «التوافق» على اقتسام السلطة. قانون الانتخاب الموعود يعكس «التوازن السياسي الطوائفي» من دون أن يحمل أية تحسينات توسع أفق المشاركة «لشتى فئات الشعب». تقلّبت عروض الطبقة السياسية في المساومة من صيغة إلى أخرى. كان التفاوض على قانون الانتخاب محصوراً في ما يمكن أن ينتجه من حصص لأمراء الطوائف. حيث تعذرت التسوية تواطأ الجميع على تأجيل الانتخابات. لم نعد دولة جمهورية، لا نمارس تداول السلطة ولا المساءلة السياسية ولا فصل السلطات. ذهبنا بعيداً في تكريس نظام «التوافقية الطوائفية» على حساب كل المعايير الديموقراطية. لم نأخذ من «الربيع العربي» إلا موجة التطرف الديني وإفرازات الاستبداد السياسي. أخذنا البلاد مجدداً إلى انقسام سياسي حول قضايا لا علاقة لها بنمط عيش الناس واهتماماتهم في الاستقرار والتقدم الاجتماعي.
تتجه الشعوب العربية إلى البحث عن أنظمة وطنية تلبي طموحاتها في العيش الكريم. تخوض معركة الخروج من الصراعات الايديولوجية، تقاوم هيمنة الهويات الدينية لمصلحة الدولة الوطنية الراعية لكل مكوّنات شعبها المحايدة بين الثقافات والهويات الفرعية. إلا أن لبنان يعيد إنتاج ثقافة سياسية طائفية ذات مضمون ديني تضيق عن القيام بها أي دولة وينقسم فيها أي مجتمع. لم يعد للبنان قضية خارج حدوده، إلا الدفاع عن تلك الحدود، على فرض احتمالات تهديدها. لكن الدفاع الوطني شيء والانخراط في مشروع إقليمي شيء آخر.
فلا الدفاع عن النظام السوري يمكنه الآن إحياء المشروع العربي لتحرير فلسطين، ولا المشاركة في إسقاط النظام السوري بذاته تعزز ديموقراطية النظام اللبناني وتقوّي استقلاله وسيادته. لن يستقبل اللبنانيون نتائج الأزمة السورية إلا بالشروط التي يوفرونها في الداخل وقد صار الانقسام اللبناني هو الطاغي على الحياة الوطنية ولا يغيّره أي اتجاه تسلكه أزمة سوريا. هؤلاء الذين يؤجلون التصدي لمشكلة نظامنا السياسي بانتظار المتغيّر الإقليمي يخادعون الناس، فهم لا يملكون مشروعاً للدولة ولا خطة إصلاح ولا يشاركون في ثقافة «الربيع العربي» التي انطلقت تحت شعار «خبز وحرية وكرامة».

السابق
الجميّل: نتشاور لإنضاج القواسم المشتركة
التالي
العنجهية المرضية