العنجهية المرضية

التواضع هو أكثر ما يحتاج إليه "الحزب الحاكم"، في هذه المرحلة المتولدة من إخلاله البيّن بالعملية الديموقراطية، وتحوله من حزب مقاومة، إلى ميليشيا اقليمية ذات مهمة مذهبية، باعترافه المباشر، وتورطه، حسب الاتهامات الاوروبية، في اعمال إرهابية، في قبرص وبلغاريا، تتخطى ارتداداتها شخوص قياداته إلى وجوده نفسه.
وسواء كانت استقالة الحكومة قرار رئيسها، أو بنصيحة من ديبلوماسية دولية، كما يزعم خطباء الحزب، أو أن الحزب نفسه،أو حليفه في دمشق، هو من وضعه أمام خيارها، فإن تشكيل بديل يقتضي منه واقعية سياسية أبرز مؤشراتها اسقاط العنجهية المرضية التي ينضح بها المتحدثون باسمه، في كل نأمة منهم أو عبارة،هذا إن لم يكن يريد إطالة الفراغ في السرايا، لغاية في نفس مرشديه الإقليميين.
فالاستقالة أعادت اسطوانته البالية، عن التحذير من التخلي عن مثلث الجيش والشعب والمقاومة الذي أغرق لبنان في فوضى هوية الدولة والسلطة والقرار، وأعادت أيضا لغته الخشبية، باتهام قوى 14 آذار بأن "أوهامها وإلتزاماتها الخارجية جعلتها تراهن على قلب المعادلات".
لكن الإسطوانة المهترئة لم تعد تفتح آذان اللبنانيين، أو تحرك انفعالا لديهم، سلبا أم أيجابا. فالعبارات هي نفسها، وادعاء النصح والأبوة السياسية هما ذاتهما منذ توهم أهل الحزب أن ما اعتبروه نصرا عام 2006 ، يجعلهم خبراء في العمل السياسي، واصحاب بصيرة في مجرى الأحداث، حتى توهموا أن اللبنانيين جميعا يأخذون "رؤاهم" السياسية مأخذ التسليم ، ولو تعارضت مع ما يعرف العقل أنه مزاعم أقرب إلى الأكاذيب، كمأخذ الشيخ نبيل قاووق على قوى 14 آذارأنها ترى في الانتخابات النيابية المقبلة "الفرصة الإستراتيجية لقلب المعادلات داخليا، ما يدل على جهل سياسي وعلى أن شهوة السلطة قد أعمت أعينهم"، لكأن حزبه جمعية خيرية لم، ولا، تشته السلطة، لا في 7 أيار 2008، ولا في كانون الثاني 2011 إلى حد استعماله السلاح والترهيب به لاغتصابها مرتين. كأنه يريد القول أن التداول السلمي للسلطة، كما تؤمن 14 آذار، مدان، بينما الوصول إليها بقوة السلاح أصوب.
لا يغيب التلويح بالقوة، المسلحة بالتأكيد، عن خطاب الشيخ الحصيف، فينبه إلى "أن لبنان لا يحتمل حكومة تناصب العداء للمقاومة"، كأن "فضيلته" يرى لبنان ثانويا، والمقاومة ثابتة، ويشك في أن اللبنانيين نسوا الأيادي البيض للقمصان السود، فأراد تذكيرهم ببركاتها، التي أنعم الحزب بها عليهم، مرتين مباشرة، ومرارا مواربة.
يعرف الحزب أن أمامه خيارين ثالثهما وبال عليه وعلى لبنان: ان يسترضي النائب وليد جنبلاط أو يهول عليه وعلى جمهوره بالقمصان ذاتها، أو أن يجد منتصف الطريق إلى 14 آذار، وإلا يشكل غالبية بانقلاب واضح يسقط آخر غلالة تستر لبنانيته المنحولة.

السابق
لا خبز لا حرية لا كرامة
التالي
8 أنواع من الذكاء لدى الانسان