تحديات اعلان بعبدا

ليس للمأزق في لبنان بعد واحد، وإن كان للخروج الجزئي منه باب واحد. باب مفتوح نظرياً بالمدعوات الصالحات الى الحكمة والتبصر، ومغلق عملياً بالوقائع والمواقف المتصلبة المتناقضة. فما نسمعه من فوق يوحي أن واشنطن وموسكو وباريس ولندن والفاتيكان تضع لبنان في غرفة العناية الدولية. وما نراه من تحت هو أنه يواجه قدره في ساحة المعاناة المحلية والإقليمية. شيء يعيد تذكيرنا بالأيام الأخيرة للامبراطورية النمسوية – المجرية حين سئل وزير الخارجية عن حال حكامها آل هابسبورغ فقال: إنها ميؤوس منها، لكنها غير خطيرة. وشيء يدفعنا الى القول إن حالنا خطيرة ولكن غير ميؤوس منها.
ذلك أن مجلس الأمن المنقسم حول الموقف من حرب سوريا، موحد حول الموقف من الحاجة الى الاستقرار في لبنان. لكن اللبنانيين منقسمون حول الصراع في سوريا وعليها، ومراهنون على تطوراته وانعكاساته على الوضع اللبناني الى حد شل الحاضر الذي في اليد من أجل مستقبل ليس في اليد.

والثابت في موقف الانقسام الدولي والموقف الموحد هو التمسك بوثيقتين: اتفاق جنيف الذي توصل اليه الكبار بالنسبة الى الحل السياسي في سوريا. واعلان بعبدا الذي وافق عليه أركان الحوار الوطني بالنسبة الى تحييد لبنان عن المحاور. والبارز في الموقف اللبناني المنقسم هو مبالغة البعض في أهمية البيان الرئاسي الذي صدر بالإجماع عن مجلس الأمن، وتقليل البعض الآخر من مفاعيل البيان ما دامت قرارات المجلس عصية على إكمال تنفيذها بكل المندرجات. أما الإجماع على اعلان بعبدا، فإنه في الترجمة العملية اندفاع في صراع المحاور وانخراط في حرب سوريا.
والسهل في الاتفاق هو الصعب في التطبيق. فما يختلف عليه الشريكان الأميركي والروسي في اتفاق جنيف هو آلية التنفيذ لجهة التفاوض بين النظام والمعارضة على حكومة انتقالية ذات صلاحيات كاملة. وما يختلف عليه الشركاء اللبنانيون هو تأليف حكومة يدعو اليها البعض في الداخل ويوحي المجتمع الدولي أنها تحفظ رأس لبنان، ويكون بيانها الوزاري اعلان بعبدا. والسبب جوهري. قوى ١٤ آذار ترى أن الإعلان يلغي ما تكرس في البيانات الوزارية تحت عنوان الشعب والجيش والمقاومة. وحزب الله يصر، ومعه قوى ٨ آذار، على ما يسميه المثلث الذهبي ويرى أن الثابت في أي بيان وزاري هو المقاومة.
والنتيجة ان حرب سوريا مستمرة، والخروج منها يتجاوز اتفاق جنيف. والمأزق في لبنان يتعمق بما يعاكس إعلان بعبدا الذي يصعب تحصينه محلياً وإقليمياً كما يطلب الرئيس ميشال سليمان، بحيث تتعثر مهمة البحث عن حكومة سواء كانت حيادية أو سياسية.

السابق
كبارة: هناك مؤامرة كبيرة على طرابلس
التالي
أين دافعت إيران عن الأسد