قمّة.. الهاوية!

لم يكن منتظراً من القمة العربية في الدوحة غير الذي ظهر منها، لا سيما حيال الأزمات التي تعصف بالمنطقة، خاصة على مستوى الأزمة في سورية، إذ تحوّلت القمّة في هذا المجال الى قاعدة لشن الحملات العسكرية عليها في حرب تقرّر أن تخاض الى آخرها. وهو ما جهّزت له سورية وحلفاؤها منذ البداية، وسط سقوط كل احتمالات سلوك سبل الحل السياسي الذي توضع في طريقه عقبات كثيرة عربية بالدرجة الأولى.
لا يشكل منح المعارضة السورية في الخارج مقعد بلادها في القمة أمراً هاماً، ذلك أن الجامعة منذ لحظة قرارها بتعليق عضوية سورية فيها انحرفت عن مسارها وقواعد تأسيسها وماهية وجودها بعدما سجلت مخالفات قانونية عديدة لميثاقها، غير أن «صقورها» الحاليين قرروا استخدامها في تلك الحرب التي سرعان ما انكشف مشروعها الكبير الهادف الى رسم خارطة جديدة للمنطقة في إطار مشروع دولي يقلب التوازنات القائمة لحفظ رؤوس كانت ستطير حكماً في مسار يتنامى فيه مشروع المقاومة المكتمل، الذي يحمل في طياته بذور الثورة الاجتماعية في البلدان التي لا تخضع للاحتلال العسكري المباشر كفلسطين.
ما جرى في القمة العربية وإن كان «استنساخاً» لسابقاتها كما يصفه البعض، إلا أنه شكّل حجر الزاوية في اسقاط المنطقة برمتها في الفوضى بعدما فشل «الصقور» أنفسهم في تحقيق أهدافهم، بإسقاط الرئيس السوري بشار الاسد على غرار ما فعلوا في تونس وليبيا ومصر، وهم كانوا يظنون أن المسألة انطلقت ولا بد من متابعتها في سورية التي من دونها لن يتغير شيء في المنطقة، وأن الفشل هناك سيؤدي بطبيعة الحال الى سقوط ما هو متوخى من نتائج في أماكن عدّة فيها، لا سيما وأن صمود سورية وخروجها من الأزمة بلا تغييرات سيكون لهما آثار مباشرة على جميع أنظمة الحكم العربية والخليجية منها خاصة، ما يعني أن الفوضى التي قرّر العرب في قمتهم أمس الذهاب اليها، هي «استباقية» للفوضى التي ستصل اليهم من دون أن يتكمنوا من ردعها أو إيقافها عند حدود معينة. لكن التوجُّه الذي عكسه بيان القمة من الذهاب بعيداً في عسكرة النزاع في سورية، وجعل الميدان صاحب القرار في الحل بعيداً عن أية صيغة سياسية، سيدفع بالأمور الى الانفجار الواسع.
مصادر سياسية واكبت أعمال القمة والتحضير لها، قالت إن العرب باتوا يتقدمون على المشروع الغربي في رؤيتهم لمسار الأمور في المنطقة وحيال الحرب الدائرة في سورية، وأنهم على استعداد لخوض الحرب إذا ما اضطروا الى ذلك مستندين على ما باتوا يعتقدون، أن القوة التي يمتلكونها كافية لجعلهم يرفعون من سقف مواقفهم، أو حتى ضمن رؤية أن إعلاء سقف المواقف لن يجر إلى الهاوية بالضرورة، إنما هو للضغط، في محاولة لتحقيق «توازن رعب» مع الخصوم، لكن في ذلك خطأ مميتاً، إذ أن أجهزة قياس الضغط لا بد أنها معطلة لديهم، حيث أن الفوضى إذا انطلقت فإنها لن تتوقف لا في اجتماع قمة ولا من خلال اية صيغة للتفاوض بما أن مفعولها يكون قد انتهى.
تربط المصادر بين بيان القمة «الحربي» وما ظهر من تصعيد سياسي بعد عودة النشاط الأميركي الى المنطقة، مع زيارة وزير الخارجية جون كيري بعد تعيينه على رأس الدبلوماسية الأميركية، التي تزامنت مع تسريب المعلومات حول تدريب القوات الأميركية لمقاتلي المعارضة السورية في بعض دول الجوار السوري، وما أعلن من مواقف أيضاً من «إسرائيل» التي زارها الرئيس الأميركي باراك أوباما الأسبوع الماضي وعرّج خلالها على الأردن، وتقول المصادر إن ما ظهر من القمة العربية ليس سوى نتيجة طبيعية للمواقف الأميركية التي أوصلت التصعيد الى قمته في الملفات كافة، وكان الرد عليها واضحاً أيضاً من قبل «محور الممانعة الدولي – الإقليمي» الذي رد على تلك المواقف أيضاً بتصعيد مماثل أعلن فيه قائد الثورة الاسلامية في إيران السيد علي خامنئي أنه سيُصار الى تدمير «تل أبيب» ومحوها عن الخارطة، إذا ما تم الاعتداء على إيران، فيما أعلنت روسيا في اليوم نفسه أنها لا ترى ضرورة للقاء المعارضة السورية، لأنه ما من شيء تقوله لها بعد مواقف هذه الأخيرة حول التسليح والمنسجمة مع تحرك أميركي مباشر سياسي وعسكري يسقط اي اعتبار لحوار تحاول موسكو إدارته بين الدولة السورية ورئيسها من جهة والمعارضة من جهة أخرى، مع تقديم الكثير من التنازلات لإنجاحه.
تؤكد المصادر على أن ما اعلن عبر أكثر من جهة في دول المحور الممانع وإن ذهب في أكثر من اتجاه بحسب مُعلنيه، إلا أنه يعكس مضموناً واحداً حيال قضايا مرتبطة ارتباطاً عضوياً لا يمكن تفكيكه، فالأزمة السورية تعني إيران وروسيا بقدر ما تعنيه بالنسبة لصقور العرب والغرب على حد سواء، وهما على استعداد للتدخل فيها بحجم تدخل الآخرين وربما اكثر نظراً لما تشكله سورية من أبعاد استراتيجية لهما، مشيرة الى أن التدخل العسكري الذي يلوح به بين الحين والآخر لا يمكن تحقيقه في المعادلة القائمة لأنه سيكون فاتحة لحرب واسعة النطاق بات الجميع جاهزاً لها فالأساطيل التي تتحرك في المياه الدولية بكثافة هي رسائل جدية يفهمها مرسلوها جيداً وهي تشكل أيضاً حلبة اختبار نوايا من الطراز الأول لكنها كانت دائماً تتلقى أجوبة عليها، ما يشير الى أن حركة الحرب مضبوطة حتى هذه اللحظة والجميع يركز على تحقيق انجازات في الداخل السوري ودائماً على قاعدة «حصر النار» حيث هي، والعمل على عدم خروج لهيبها، وهو ما يعتمد عليه عرب القمة الأخيرة من خلال التصعيد الذي اعتمدوه في بيانهم.
وتكشف المصادر أن أروقة القمة شهدت قبيل انعقادها مداولات مكثفة قرأت في هذه المواقف وما يجري من تصعيد خطير، وقررت على ضوئها السير على هذا المستوى ليكون منسجماً مع التحرك الأميركي الأخير، والذي طلب من خلال ممثليه المواكبين للقمة في الدوحة أن تُمارس الضغوط على اطراف المعارضة السورية لإخراجها من التفكك الذي ظهرت فيه اخيراً بعد إعلان رئيس الائتلاف السوري المعارض معاذ الخطيب عن استقالته، وما رافقها من احتجاجات على الخطوة الأميركية في تعيين غسان هيتو» رئيساً «للحكومة الموقتة» التي تحتاج الى حيز تحكم فيه وتدير منه مناطقها من داخل سورية، وهو الأمر الذي يجري التحضير للحصول عليه بـ»القوة»، فيما القوة المقابلة تستعد لخوض «أم المعارك» لمنعها من ذلك.

السابق
قبرص.. قيود وضوابط على التعاملات المالية
التالي
خطوة البحرين لتشجيع الخليج