نزيف الدم العراقي وسيناريو التقسيم

مع القرار الحكومي العراقي بتأجيل الانتخابات المحلية ستة أشهر أخرى في محافظتي الأنبار ونينوى , تبدو لعبة التفجيرات الدموية الإرهابية التي هزت وتهز الشارع العراقي مفضوحة اكثر من أي وقت مضى, ويظهر الفشل السلطوي المريع وجهه القبيح , وتتعاظم كل سيناريوهات الخراب والتدمير المستقبلية المعدة للعراق في الكواليس الدولية والإقليمية, فبعد عشرة أعوام على سقوط وتحلل نظام البعث العراقي السابق تحت قوة الحرب الأميركية التي أبدلت وغيرت كل قواعد اللعبة, وتسللت الى العراق والمنطقة من خلال شعارات التغيير الديمقراطي وبناء جنة العدالة وحقوق الإنسان بعد قرون من التخلف والتعسف والأنظمة الشمولية , فإذا بالحصيلة الحقيقية قد تحولت الى سيناريو مفجع في دلالاته تمثلت للأسف بقيام ديمقراطية شكلية مهترأة لايقودها ديمقراطيون بل شموليون وفاشيون واستبداديون وذئاب إرتدت لباس الحملان , وتحركهم نوازع الثأر والطائفية الرثة المتخلفة السوداء, وتصاغ برامجهم ومخططاتهم من خلال عقلهم المركزي في طهران وحيث تبين وبعد عقد كامل من التجربة العراقية المرة أن المنتصر الحقيقي والمستفيد الأكبر من كل ماجرى ويجري هو النظام الإيراني الذي استغل الأحداث والتطورات لصالحه وعمل على تفعيل احتياطياته وأدواته الطائفية ومؤسساته التي بناها على مدى عقدين من التخطيط والتهيئة, فكان خازوق الديمقراطية العراقية المزيفة والذي بدلا من أن يبني العراق ويطمر فضائح الخلافات التاريخية الرثة بين مكوناته, يزيدها اشتعالا وتوترا ويؤسس بشكل فاعل لا لتقسيم العراق فقط والذي أصبح أمرا واقعا ومفروضا, بل لتقسيم المنطقة عموما وتعميم الفوضى غير الخلاقة التي تضرب أطنابها في الشرق الأوسط.
لقد تحول العراق من مشروع أمل تحرري وحضاري الى محمية طائفية مريضة يقودها صبيان فاشلون في أبجديات السياسة والاقتصاد والإدارة, وتميزت فيه قيادات فاشلة تاريخيا كل حصيلتها التعايش الرث على الشعارات الطائفية والنهب السلطوي المنظم والتقوقع ضمن الإطار الطائفي المريض المثير للرثاء, العراق اليوم وبرغم جلبة الشعارات الديمقراطية وهدير الانتخابات ومرشحيها يبدو في أسوأ حال منذ أن خرج من رحم الإحتلال العثماني الى تحت ابط الاحتلال البريطاني عام 1918 , والعراق اليوم بات ملعبا واسعا لمخططات دولية وإقليمية واسعة تسللت لأرضه وحولتها يبابا ينعق بوم الموت والإرهاب في أرجائه , ويمارس المتخلفون واللصوص فيه هوايتهم في سرقة البلد وكل ماهو متحرك, بل أن لعبة الإنقسام الطائفي الفظ قد أضحت واقعا ملغوما ومعاشا, والسلطة الفاشلة التي يقودها قائد حزب" الدعوة" الفاشل والمتحصن في حصون قلعته الخضراء لم يعد يهمها من العراق سوى ممارسة المزيد من سلطة النهب والتخريب بعد أن شقت كل أخاديد التقسيم الوطني وهيأت المسرح العراقي لعملية تقسيم فظة للبلد لطوائف وعشائر وعمائم وأحزاب, وبعد أن تحول سيف الإتهام بالإرهاب الى كل المخالفين هو السلاح المفضل في حل الأزمات , اليوم بدأ العد الفعلي لتنفيذ خطة نائب الرئيس الأميركي جوزيف بايدن لتقسيم العراق لثلاث دويلات متصارعة ومتخلفة , وهي الخطة التي كانت معروفة ومنشورة منذ عام 1980 بل أنها وردت مباشرة على لسان الرئيس العراقي السابق صدام حسين في خطاب عام ألقاه عام 1980 وقبل أيام من إندلاع الحرب العراقية ¯ الإيرانية في 22/9/1980 , وحيث تكفل حزب "الدعوة" الإيراني ومن تحالف معه بوضع اللمسات النهائية على المشروع القديم الجديد وتحديثه ضمن الخيارات الاقليمية المتاحة, سيحقق حزب الدعوة وشركاه حلم الصهيونية الدولية في تقسيم العراق والمنطقة, ولاعزاء للمتواطئين والخونة والمترددين , فحزب إرهابي معروف بقيادته للارهاب الدولي ومتورط حتى الثمالة في العمالة للنظام الإيراني لا يمكن إلا أن يقدم تلك الخدمة الجبارة لأولياء أمره .
لقد بات الطريق مفتوحا اليوم بالكامل لتنفيذ سيناريو الجحيم العراقي والذي سيصيب بشظاياه الجميع في الشرق القديم, وتتحمل النخب العراقية والجماهير الضائعة مسؤوليتها الكبرى في ما حصل وسيحصل وسيتكرر تاريخ المأساة الأندلسية في عراق المنصور والرشيد والمأمون , وسيبكي القوم كالنساء عراقا مضاعا لانهم لم يحافظوا عليه مثل الرجال… أمراء الطوائف ليسوا سوى كوارث متنقلة , فليستعد القوم للخيارات البشعة المقبلة.  

السابق
المجندات الإسرائيليات في مواجهة فساد الخدمة الإلزامية
التالي
النخّيخ