الإشتراكي يُهاجم القوات..

هل هي غيمة ربيعية عابرة في سماء الإشتراكي و«القوات»، أم مقدمة لعواصف سياسية؟ هذا السؤال يطرحه الانتقاد العنيف لـ«القوات»، الصادر عن وزير إشتراكي منفتح آذارياً ومسيحياً هو وائل أبو فاعور.

منذ خروج النائب وليد جنبلاط إضطرارياً من "14 آذار"، لم تقع إشكالات حقيقية بينه وبين "القوات اللبنانية". فكل من الطرفين يتفهَّم اعتبارات الآخر. وعلى رغم الانتقادات التي وجّهها جنبلاط مراراً إلى حليفه المسيحي السابق، فإن الدكتور سمير جعجع وأركانه فضّلوا التغاضي تماماً عن الردّ: نُقدّر ظروف الرجل، وندرك أنه مضطر إلى إطلاق مواقف تتماشى مع المناورة السياسية التي يقوم بها، والتي قادته إلى دمشق، وكانت ستحشره كثيراً لو لم يشأ القدر أن ينشغل النظام بأزمته الحالية.

لكن إنتقاد أبو فاعور لـ"القوات" أخيراً، كان مفاجئاً، إذ قال: إن تأييدها مشروع "اللقاء الأرثوذكسي" يعبّر عن رغبة بالانفصال عن المكوِّنات الأخرى للمجتمع اللبناني، لافتاً إلى أن التجارب السابقة قد توحي بذلك. ومن خارج فريق "14 آذار"، أعلن أبو فاعور أن موقف "القوات" يضرب روحية "14 آذار"، ويعني الالتحاق الفكري والسياسي بالعماد ميشال عون.

هذا الموقف مفاجئ في المضمون، ولكن ليس في التوقيت. فالتداعيات السلبية للاحتقان حول قانون الانتخابات ستظهر في مكانٍ ما. وموقف أبو فاعور لا يترجم مشكلة حصرية بين "القوات" و"الإشتراكي". فالعلاقة بين "القواتيين" و"الإشتراكيين" في الجبل ممتازة. لكنه يترجم وصول الحوار إلى طريق مسدود بين "القوات" و"الكتائب" من جهة، وتيار "المستقبل" وسائر مسيحيّي "14 آذار" ورئيسي الجمهورية والحكومة وجنبلاط و"الوسطيين" من جهة أخرى.

ومن هنا، فإن أبو فاعور يطلق حملته على "القوات" بالأصالة عن الإشتراكي وبالوكالة عن القوى الأخرى الراغبة في تمرير قانون "الأمر الواقع" للانتخابات، الذي يقترب كثيراً من قانون 1960 ويستوحي روحيته السياسية.

لا مشكلة قواتية – إشتراكية حصراً

هناك اقتناع بأنّ أبو فاعور هاجم "القوات"… "حيث لا يجرؤ الآخرون"، أو على الأقل حتى لا يقع هؤلاء "الآخرون" في الإحراج، كلٌّ بسبب ظروفه أو العلاقة التي تربطه بـ"القوات". فـ"المستقبل" يحاذر نشر غسيل "14 آذار" في عيدها الثامن وقطع شعرة معاوية مع الحليف المسيحي الأقوى.

وكذلك، يبدو مسيحيّو "14 آذار"، "المستقلون" أكثر حرصاً على العلاقة تحت السقف المسيحي، فيما رئيسا الجمهورية والحكومة لا يسمح لهما الموقع الحيادي بمواجهة طرف سياسي داخلي. أما جنبلاط فاعتاد الجميع على مناوراته وحملاته يميناً ويساراً، ثم التراجع. وليس من عادة "القوات" أن تقسوَ في الردّ عليه. ولذلك، هو الأنسب لنقل الرسائل.

ويبدو أنّ الرسالة قد وصلت، ولكنها لم تُحقّق الهدف. فهناك ضغط عنيف يمارسه "حزب الله" لضمان قانون إنتخابي يوفّر له الغالبية من دون جنبلاط، ومع "الحزب" يقف العماد عون. وفي المقابل هناك ضغط من جبهة "المستقبل" – سليمان – ميقاتي – جنبلاط لإبقاء "الستاتيكو" الحالي.

وإذ تراهن هذه الجبهة على تغطية مسيحية موازية لعون توفّرها "القوات" و"الكتائب"، فإنّ الحزبين يجدان أن المطلوب منهما التضحية مرة أخرى مجاناً، ومن أجل آخرين وضعوا مصالحهم، على مدى 8 سنوات، فوق كل إعتبار. ويُقال للحزبين: هذه المرّة أيضاً، يجب أن تتجاوزوا مبدأ المناصفة الفعلية، فـ"لا صوت يعلو فوق صوت المعركة"… وبعد 4 سنوات ننظر في الأمر!

ويعتقد "المستقبل" أن إقناع جعجع بالتنازل من أجل "14 آذار" أسهل من إقناع الرئيس أمين الجميّل. فهناك إنسجام أكبر مع الشريك "القواتي". لكنّ جعجع لم يتراجع. ولأن الوقت بات ضيقاً جداً، فكل من الطرفين الأساسيين، أي "حزب الله" وحلفاؤه و"المستقبل" وحلفاؤه، يمارس أقصى ما يمكنه من ضغوط لتسجيل نقطة لمصلحته.

وكلّ منهما يريد دعم "القوات" و"الكتائب، خصوصاً قبل أيام من جلسة 21 آذار. فهذه الجلسة، إذا انعقدت في موعدها، قد تشهد انفجاراً بين مكوّنات الغالبية حول تأليف هيئة الإشراف على الإنتخابات، يُضاف على المأزق حول القانون.

وقد ينتج عن هذا الانفجار إما تطيير الاستحقاق وإما لجوء الطرفين المتصارعين إلى الخيارات المتطرفة، فيستخدم كل طرف أوراقه السياسية والدستورية… وربما الأمنية.

ولطالما برَّرت "القوات" و"الكتائب" خيار "المستقبل" السياسي، ظالماً كان أم مظلوماً، حتى حين ذهب الرئيس سعد الحريري إلى سوريا. لكن "المستقبل" لا يبرِّر خيارهما الانتخابي، ولو كان مظلوماً. و"الكباش" بين "السياسي" و"الانتخابي" لم يعُد عابراً. إنه ينغِّص احتفالية "14 آذار" الثامنة، أو يهدِّدها، وهو يستدعي العلاج "بالتواضع البنّاء"، لئلّا تكون الاحتفالية الأخيرة!.

السابق
تجربة الإخوان في تونس ومصر
التالي
أوباما، تفضّل إلى لبنان