لبنان المحكوم بالإعدام

هذا الكلام، الذي حوّلتهُ إلى عنوان، ليس لي. كتب صحافي سعودي مرموق هو عبد الرحمن الراشد في عموده في عدد صحيفة "الشرق الأوسط" أول من أمس الثلاثاء أن لبنان في المرحلة الحالية "يبدو مثل المحكوم عليه بالإعدام وينتظر دوره".

التشبيه بليغٌ لكن خطورته في أن البلاغة هنا تصدر عن صحافي سعودي ذي موقع شديد الصلة ببعض المراجع العليا في البلاط السعودي. وحتى أكون دقيقا أو أن أتيح للقارئ تقييمأ دقيقا للسياق الذي وردت فيه العبارة المشار إليها في المقال أنقل الجملة كاملة وهي: "الحديث عن إبعاد اللبنانيين العاملين في الدول الخليجية وإشاعات سحب الودائع كلها جزء من الحرب النفسية التي تخيّم على البلد الذي يبدو مثل المحكوم عليه بالإعدام وينتظر دوره".
ومع أن الزميل يتحّدث عن "حرب نفسية"- أي عن ضغوط وهمية- فإنني أوافق على هذا التشبيه حول "المحكوم بالإعدام الذي ينتظر دوره" لأنه يعكس فعلا- من نظرة داخلية لبنانية- الحالة النفسية للكثير من اللبنانيين في الأيام الراهنة. لكنه في مقال الراشد يأتي من نظرة خارجية إلى لبنان وعلى لبنان ترى "المقصلة" التي تنتظر اللبنانيين مع كل الأمل بأن يكون هذا حصيلة استنتاجه الشخصي وليس تأثرا بما سمعه أو يسمعه في أندية سياسية نافذة في المنطقة. نعرف أنه من المستحيل أن لا يكون لبنان تحت وطأة متغيّرات بنيوية، ديموغرافية وطائفية وسياسية واقتصادية في ظل الثورة السورية لأننا في "قلب سوريا" وليس على أطرافها مثل الأردن والعراق وتركيا كما كتبتُ قبل فترة تحت عنوان "الثورة السورية أعمق تأثيراً على لبنان من نكبة فلسطين" ( 23-2-2013 ). وأضيف هنا باختصار أنه إذا خرجت سوريا موحّدة من هذه المرحلة-المرجّح أن تمتد لسنوات طويلة- فإن لبنان الموحّد لن يكون في خطر.
السؤال الذي يُؤرق – تبعا لتجربة الحرب الأهلية (العربية الدولية) اللبنانية في السبعينات من القرن المنصرم- هو أن السنوات القليلة التي سبقت تلك الحرب الهائلة كانت سنوات أقصى الحيوية الاقتصادية والسياسية والثقافية والفكرية والاجتماعية للسلام اللبناني الممتد ولو بقلق تنامي انتشار الثورة المسلّحة الفلسطينية بين 1967 و1975. كانت أجمل وأغنى سنوات الكيان اللبناني منذ تأسيسه عام 1920. كانت بيروت في النصف الأول من السبعينات ليس فقط باريس الشرق بل نيويورك الشرق ولم نكن نعي ونحن في ذروة حماسنا وصراعاتنا في غرف وملاعب الجامعات أننا عبر هذه الحيوية بالتحديد، ذاهبون إلى تدمير البلد ليس كمحكوم بالإعدام ولكن كمجنون يدمّر نفسه أو ربما في الحالتين معا.
أقصى ما يُقلق الآن هو السؤال: هل نعيش حاليا ما يُشبه سلام النصف الأول من السبعينات أو أن قواعد لعبة تاريخية مختلفة ترتسم وسترتسم لاحقا لأن سنوات السبعينات كانت سنوات الدينامية الفلسطينية بينما الآن هي سنوات الدينامية السورية بأحجامها المختلفة ولو كانت متصلة؟
السلم اللبناني اليوم يعيش بقرار دولي واضح. قرار غربي أميركي فرنسي بريطاني ألماني يمنع بدون تردد انهيار الدولة اللبنانية وتُلاقي هذا القرار مصلحة إيرانية- سعودية (والنظام السوري) في التركيز على الصراع داخل سوريا والاستفادة من "الخدمات" التي يقدّمها لبنان لهذا الصراع. المملكة العربية السعودية- التي هي مصدر رزق ورخاء للكثير من اللبنانيين-تنخرط كليا في الصراع السوري ولكنها تضبط استخداماتها "الثورية" للحالة اللبنانية ضمن حدود معينة كجزء من انخراطها الراسخ في النادي الغربي لاسيما أن خصمها الإيراني أصبح في حالة دفاع وليس في حالة هجوم بما في ذلك قوة "حزب الله" العسكرية الضخمة التي أصبحت سياسيا في الدفاع. بين 1970 و1975 كان الصراع اللبناني يتطوّر نحو ضرورة "تعطيل" الدولة اللبنانية كمعْبر إلى مواجهة الحالة الفلسطينية التي كانت أصلا قد اضطرت إلى استخدام استراتيجية ضرب السلطة اللبنانية أو ما يسمّيه الصديق فريد الخازن في كتابه "تفكيك أوصال الدولة اللبنانية". كانت هذه المصلحة الدولية في كشف الثورة الفلسطينية تتقاطع مع مصلحة المارونية السياسية في "تعليق" الدولة اللبنانية بعدما أخلّ المسلمون اللبنانيون بـ"الصيغة الميثاقية" عبر دعمهم انفلات السلاح الفلسطيني.
إذن كانت تلك دينامية نسف الدولة في صراع السبعينات دوليا وإقليميا، الدينامية التي انفجرت في 13 نيسان 1975 . بينما اليوم وحتى الآن الدينامية الدولية الإقليمية هي دينامية حماية الدولة اللبنانية. أو بالأحرى هناك صراع بين الدينامية "الاستقرارية" الخارجية وبين الدينامية المحلية التخريبية للدولة والشواهد "السنية- الشيعية" على ذلك واضحة ويومية.
لهذا وبما أنه لا يمكن الرهان على "حكمة" اللبنانيين في الحفاظ على السلم الأهلي الذي هو قضيتنا المقدسة الدائمة، فإن الرهان كل الرهان أن تستمر العناية الدولية بالرأفة بنا وتواصل منعها اللبنانيين من تدمير أنفسهم بصيغة جديدة ربما أعنف من الأولى.

السابق
اللواء: “الإشتراكي” يؤكّد أن برّي تبلّغ رفض حزب الله وعون لصيغة القانون المختلط
التالي
في ذكراها الثامنة، كيف سقطت 14 آذار؟